وهم في اتصالاتهم بعضهم ببعض، ومع غيرهم كانوا يتحدثون عن خبراتهم وتجاربهم في مختلف الاتجاهات، أو يتبارون في السيادة والشرف، أو في القوة والهيبة، أو في المكانة والاحترام، أو يتناقشون ويتبادلون الآراء لحل المشكلات وفض المنازعات، أو يتآلفون بالمحالفات أو المصاهرات، أو يزجون أوقات فراغهم بما يسر آذانهم ويمتع أفئدتهم، كل هذا هيأ فرصًا كثيرة لمن لديهم موهبة أدبية، وليست فيهم مقدرة شعرية لكي يمارسوا فنونًا أدبية نثرية متعددة. ومن ثم وردت لهم في كتب الأدب والتاريخ أنواع من النثر الأدبي، نجد منها: الحكم، والأمثال، والقصص، والمفاخرات، والمنافرات، والخطب، والوصايا، وسجع الكهان.
وقد أشرنا فيما سبق إلى أن النثر الجاهلي لم يلق من العناية والاهتمام مثل ما لقي الشعر، فما بقي منه ما زال مبعثرًا في بطون الكتب، وعند قراءته تبين أنه كان يوجد في جميع المناسبات ومختلف الظروف، ولكن إلى الآن لم نجد من اهتم بجمع هذا النثر وتحقيقه وتصنيفه ودراسته.
ولا شك أن هذا يحتاج إلى رغبة صادقة، وأناة، ومقدرة على البحث والدارسة، والقيام بذلك عمل عظيم يستحق أسمى التقدير. وفيما يلي عرض موجز لأهم ما ورد في كتب الأدب عن أنواع النثر الجاهلي بحسب طبيعة الكلام ومقصده.