للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المغلب، في الإبل كأنها الربرب، لا يعلق رأسه الصخب، هذا دمه ينشعب١٩، وهذا غدًا أول من يسلب. قالوا: من هو يا ربنا؟ قال: لولا أن تجيش نفس جاشية، لأخبرتكم أنه حجر صاحية، فركبوا كل صعب وذلول، فما أشرق لهم النهار حتى أتوا على عسكر حجر فهجموا على قبته وقتلوه".

ويروى أن شقًّا وسطيحًا اتفقا على تعبير رؤيا رآها ربيعة بن نصر اللخمي أحد ملوك العرب، فأخبره سطيح بإغارة الحبشة على بلاد اليمن بسجع متكلف يبعث على التردد في تصديقه، إذ قال: "أحلف بما بين الحرتين من حنش، ليهبطن أرضكم الحبش، وليملكن ما بين أبين إلى جرش"٢٠. وقال شق: "أحلف بين الحرتين من إنسان ليهبطن أرضكم السودان، وليملكن ما بين أبين إلى نجران".

ويقال إن زبراء أنذرت قومها غارة عليهم، فقالت: "واللوح الخافق والليل الغاسق، والصبح الشارق، والنجم الطارق، والمزن الوادق، إن شجر الوادي ليأدوا ختلًا، ويحرق أنيابًا عصلا٢٤، وإن صخر الطود لينذر ثكلًا، ولا تجدون عنه معلًا"٢٥.

ومن المؤكد أن الكهان كانوا يسجعون في كلامهم بمثل هذا السجع بدليل أنهم لما سمعوا القرآن ظنوه من هذا القبيل، فرد الله زعمهم بقوله تعالى: {فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ} . وقوله تعالى: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ، وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} ، وغير ذلك من الآيات.

وظاهر من نماذج نثرهم أن الكهان كانوا يستعملون السجع المتكلف الغامض، وفي جمل قصيرة، وغير واضحة المعنى، لكي تتحير الأذهان في فهم المقصود منها وأغلب الظن، بل يكاد يكون من المؤكد أنهم لم يكونوا يدركون حقيقة ما يقولون فكانوا يأتون بالألفاظ.


١٩ ينشعب: يسيل.
٢٠ مخلافان باليمن.
٢١ اللوح: هنا الريح.
٢٢ الوادق: الممطر.
٢٣ يأدوا: يختل.
٢٤ عصلًا: معوجة.
٢٥ معل: ملجأ.

<<  <   >  >>