عهدي به مد النهار كأنما ... خضب البنان ورأسه بالعظلم
يا شاة ما قنص لمن حلت له ... حرمت عليَّ وليتها لم تحرم
ثم استمر في حديثه عن نفسه، فذكر سلوكه في المعركة فقال: عند ساعة الخطر حينما يكشر الأبطال عن أنيابهم، ويشتد أوار المعركة ولا تسمع للأبطال إلا غمغمة في صدورهم بأصوات تسمعها ولا تفهمها وحينما يتحاشون الأسنة عن أنفسهم بتعريضهم إياي لها، فأتقدم وألتحم بصفوف الأعداء، وتتعالى النداءات وأصوات التحريض والإثارة ويخيم الموت تحت الألوية كنت أتقدم أكثر وأكثر، وأصوات الاستحسان لي تؤججني غيرة وحماسة فأتقدم وسط الرماح الطويلة التي تنهال من كل مكان وأدفع بحصاني أكثر وأكثر حتى صنع الدم له سربالًا، فالتفت إليّ حصاني، مسترحمًا، وانحدرت من عينه دمعة على خده، وأخرج من صدره صوتًا مقطعا ليس الصهيل، ولكن ما لقيته من التعب، وما حاق بي من السقم، لم يكن له أدنى أثر، فقد أذهبته عني صيحات الأبطال لي بالاستحسان والإعجاب:
ولقد حفظت وصاة عمي بالضحى ... إذ تقلص الشفتان عن وضع الفم
في حومة الموت التي لا تشتكي ... غمراتها الأبطال غير تغمغم
إذ يتقون بي الأسنة لم أخم ... عنها ولكني تضايق مقدمي
لما رأيت القوم أقبل جمعهم ... يتذامرون كررت غير مذمم
يدعون عنتر والرماح كأنها ... أشطان بئر في لبان الأدهم
ما زلت أرميهم بغرة وجهه ... ولبانه حتى تسربل بالدم
فازور من وقع القنا بلبانه ... وشكا إليّ بعبرة وتحمحم
لو كان يدري ما المحاورة اشتكى ... ولكان لو علم الكلام مكلمي
ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها ... قيل الفوارس ويك عنتر أقدم
ثم ختم قصيدته بأنه يعرف كيف يسوس أمره، ويصرف شئونه، فعقله لا يغرب عنه، ورأيه محكم، وعزيمته صادقة ولا يخشى الموت إلا قبل أن يقتص من غريمه:
ذلل ركابي، حيث شئت مشايعي ... لبى، وأحفزه بأمر مبرم
ولقد خشيت بأن أموت ولم تكن ... للحرب دائرة على ابني ضمضم