الشاعر لبيان سرعة ناقته وكالحديث عن روضة يفوح أريجها في معلقة عنترة فقد أورده لتصوير رائحة الحبيبة، وكان الشاعر يحاول أن يوضح فكرته توضيحًا تامًّا، مستعينًا في ذلك كلما تطلب الإبداع الفني بالتصوير الشعري، فزخرت المعلقات بالصور الشعرية الرائعة، منها؛ على سبيل المثال لا الحصر: قول امرئ القيس:
تصدُّ وتبدي عن أسيل وتتقي ... بناظرة من وحش وجرة مطفل
فقد صور وجهها وعينيها وذراعيها وحركتها في التفاتها إليه وعنه بحركة فيها جمال ودلال ورقة وحنان وقوله في الإعجاب بالحصان:
ورحنا يكاد الطرف يقصر دونه ... متى ما ترق العين فيه تسهل
وقوله في بهجة الطيور وسرورها ونشوتها في الصباح الباكر وعقب المطر:
كان مكاكي الجواء غدية ... صبحن سلافًا من رحيق مفلفل
وقول طرفة في جمال الوجه ونضرته:
ووجه كأن الشمس حلت رداءها ... عليه نقي اللون لم يتخدد
وقوله في تصوير الخائف من ارتياد الأماكن المجهولة، إذ يتمنى أن يفدي نفسه ومن يحب فلا يضطر للسير فيها وتضطرب نفسه وترتعد فرائصه وتبلغ منه الروح الحلقوم، وتجيش نفسه خوفًا ورعبًا كما تجيش القدر وتصور له الأوهام والخيلاء هلاكًا في كل خطوة قدم:
على مثلها أمضي إذ قال صاحبي ... ألا ليتني أفديك منها وأفتدي
وجاشت إليه النفس خوفًا وخاله ... مصابًا ولو أمسى على غير مرصد
وقوله في صلة الإنسان بالموت وشدة ارتباطه به متى حان ميعاده جذبه كأنه مربوط بحبل طرفه في يده:
لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى ... لكالطول المرخى وثنياه باليد
متى ما يشأ يومًا يقده لحتفه ... ومن يك في حبل المنية ينقد