للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تربعت القفين في الشول ترتعي ... حدائق موليّ الأسرة أغيد٣٢

تريع إلى الصوت المهيب وتتقي ... بذي خصل روعات أكلف ملبد٣٣

كأن جناحي مضرحي تكنفا ... حفافيه شكا في العسيب بمسرد٣٤

فطورًا به خلف الزميل وتارة ... على حشف كالشن ذاوٍ مجدد٣٥

لها فخذان أكمل النحض فيهما ... كأنهما بابا منيف ممرد٣٦

وطي محال كالحنيّ خلوفه ... وأجرنة لزت بدأي منضد٣٧


٣٢ التربع: رعي الربيع، والإقامة بالمكان، واتخاذه ربعًا، والقف ما ارتفع من الأرض، ولم يبلغ أن يكون جبلًا، وهو هنا موضع بعينه، وهو حران بن تميم وإنما خص القف لأن نبته أحسن من غيره، وثناه هنا لإقامة الوزن باسم موضع آخر ضمه إليه مما يجاوره، فسماه باسمه، الشول: جمع شائلة وهي الناقة التي خف ضرعها، وقل لبنها، وهي التي أتى عليها من وقت نتاجها سبعة أشهر، والحدائق: جمع حديقة، وهي البستان، وكل شجر ملتف أو نخل، سميت بذلك لإحداق الحوائط بها، مولي: إصابة الولي وهو مطر يلي مطرًا. الأسرة: بطون الأودية وغيرها، جمع سرارة، وهي بقال الأودية. أغيد: ناعم، يتثنى من النعمة، وفي هذا البيت يتحدث عن هذه الناقة، فيقول: إنها ترعى أيام الربيع كلا القفين، وهما مشهوران بنبتهما، وتذهب للرعي وسط نوق خفت ضروعها وقلت ألبانها بما تزيد في الأكل فيؤثر في سمنها وقوتها، وشدة احتمالها، ومرعاها في وادٍ كثير الأمطار، طيب التربة، كثير الخيرات، ناعم النبات.
٣٣ تربع: ترجع، من الريع، وهو الرجوع، المهيب: اسم فاعل من الإهابة، وهي دعاء الإبل، فالمهيب هو الداعي يصيح بالإبل، تتقي: من الاتقاء، وهو الحجز بين شيئين، ذي خصل: فيه خصل من الشعر، روعات: جمع روعة، وهي الفزع، الأكلف في لونه كلفة، وهي لون بين السواد والحمرة، ووصف فحل الإبل يفيد أنه في خصب وخير وأن هذه الناقة مدربة، وذكية، تعود إلى راعيها حينما يدعوها، وهي تدفع أقوى الفحول عنها بذنب قوي كثير الشعر.
٣٤ جناحي: تثنية جناح، مضرحي: نسر أبيض: تكنفا عن يمين الذنب وشماله، حفافيه: جانبيه: شكا: غرزا. العسيب: الذنب. شبه شعر ذنبها بجناحي نسر أبيض ومعنى البيت: كأن جناحي نسر أبيض قد غرزا بإبرة في عظم ذنبها.
٣٥ الزميل: الرديف، حشف: أخلاف متقبضة لا لبن فيها، الشن: القربة الخلق الجافة، ذاو: ذابل، مجدد: ذاهب لبنه، وأصله من جددت الشيء إذا قطعته، أي أن ذنب هذه الناقة تارة تحركه على عجزها خلف رديف راكبها، وتارة تحركه على أخلاف منقبضة لا لبن فيها كقربة بالية: يقصد أن هذه الناقة نشيطة الجسم، قوية، فهي تحرك ذنبها دائمًا إلى أعلى وأسفل من فرط نشاطها، ولم يضعفها حلب اللبن أو إرضاعه.
٣٦ أكمل: أتم، النحض: اللحم، منيف: عالٍ مرتفع، ممدد: مشرف، والمرد: الطول، من قولهم "تمرد" أي تجاوز في الشر، وقيل: المرد: الملس، ومنه "شجرة مرداء"، إذا سقط ورقها فصارت ملساء، ومنه سمي الأمرد أمرد لأنه أملس الخدين، أي أن هذه الناقة لها فخذان كاملتا الخلق، مكتنزتا اللحم، كأنهما مصراعا باب قصر عال مملس.
٣٧ المحال: فقار الظهر، وهي جمع، مفرده محالة وهي الفقرة. طي محال: أي أن هذه الفقار مطوية، متراصة، دانٍ بعضها من بعض، وذلك أشد لها، وأقوى من أن تكون متباينة متباعدة، الحنى: جمع حنية وهي القوس، الخلوف: جمع خلف، وهو الضلع، وشبه الأضلاع بالقسي في الأنحاء، وذلك أوسع لجوفها: أجرنة: جمع جران، وهو من البعير مقدم عنقه من مذبحه إلى منحره، والناقة لها جران واحد، ولكنه جمعه باعتبار ما حوله، لزت: شدت وضمت، الدأي: فقار العنق، واحدته داية، منضدة: من التنضيد، وهو وضع الشيء على الشيء، أي ملصق بعضه ببعض، والمعنى أن هذه الناقة فقار ظهرها متراصة متداخلة، فهي في منتهى القوة، وأضلاعها المتصلة بهذه الفقار منحنية في صلابة كالقسي، فجوفها واسع، وباطن عنقها وما حوله قد شد إلى فقار عنق نضد بعضها على بعض.

<<  <   >  >>