للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإن شئت سامى واسط الكور رأسها ... وعامت بضبعيها نجاء الخفيدد٥٥

وإن شئت لم ترقل وإن شئت أرقلت ... مخافة ملوي من القد محصد٥٦

على مثلها أمضي إذا قال صاحبي ... ألا ليتني أفديك منها وأفتدي٥٧

أما لبيد فقد تحدث كذلك عن ناقته من حيث السرعة، واحتمال الأسفار، وأعضاء جسمها، ولكنه في تصوير سرعتها يقارنها مرة بأتان يطاردها فحل قد اعتاد مطاردة الفحول، فأثر ذلك في جسمه ونشاطه وسرعته، وأخذ يعلو حدب الأكام، وكان الغبار يرتفع في الفضاء من إثر جريهما، كأنه دخان نار ساطعة قد هبت عليها رياح الشمال، واستمرا على ذلك حتى أضناهما التعب، واشتد بهما العطش، ومرة أخرى يقارنها ببقرة وحشية قد أكل السبع ولدها، فذعرت، فأخذت تجري في الفيافي والقفار، وتسمع صوت صياد فتمتلئ رعبًا، وتزداد سرعة، ويحس الصائد أنه لا أمل في أن ينالها بسهامه، فيرسل وراءها كلابًا مسترخية الآذان، معودة للصيد، فلحقتها الكلاب، فرجعت البقرة عليهن تطعنهن لتطردهن عن نفسها.

والشاعر في هذا الوصف قد أفادنا بهذا الاستطراد، بتصوير حمر الوحش، والبقر الوحشية، وكلاب الصيد، وهذه الأوصاف تنبئنا عن أحوال هذه الحيوانات وطبيعتها، كما تدل على دقة الملاحظة، وقوة الإحساس الشعري عند الشاعر الجاهلي.

أما الخيل، فما أكثر الحديث عنها في الشعر الجاهلي، سواء في مجال الصيد، أم في مجال الحرب، وكلاهما يجيء في معرض الفخر بالفتوة والبطولة. وقد اشتهر بنعت الخيل من الشعراء طفيل الغنوي وأبو دؤاد الإيادي. والنابغة الجعدي. ومن خير الأمثلة في وصف خيل الصيد


٥٥ سامى:بارى في السمو وهو العلو. الكور: الرحل. وواسط الكور: وسطه، وهو العود الذي بين مورك الرحل ومؤخرته، وهو كالقربوس للسرج. عامت: سبحت. بضبعيها: بعضديها. النجاء: السرعة. الخفيدد: ذكر النعام. شبه الناقة به في السرعة. يقول: وإذا أردت أن تسرع، جذبت زمامها، فارتفع رأسها إلى أعلى حتى يوازي وسط الرحل، وانطلقت كالظليم في سرعة فائقة دون أن يحس راكبها أي تعب، وكأنها في عدوها تسبح على سطح الماء.
٥٦ الإرقال: نوع من السير السريع. وفيه تنفض رأسها لشدة سيرها. ملوي: سوط مفتول، القد: ما قد من الجلد. محصد: محكم، شديد الفتل. يقول الشاعر: إن هذه الناقة مذللة مروضة، طوع إرادته، إن شئت تركتها تسير سيرًا عاديًّا، وإن شئت أسرعت مخافة سوط شديد الفتل.
٥٧ على مثلها: على مثل هذه الناقة التي تقدم وصفها. أفديك منها، أي من الصحراء، وقد أضمرها ولم يتقدم لها ذكر لأن سياق الكلام وذكر الناقة والسير يدل عليها. أفديك: أعطيك فداءك وتنجو. وأفتدي: أي أنا منها وأنجو.

<<  <   >  >>