للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يضرب الشاعر هنا مثلا لسرعة الناقة، بسرعة هذا الظليم، فيحدثنا عن أوصافه، وطبيعته، فهو قد اكتمل جسمًا وقوة، وتوفر له الغذاء الشهي ويتعرض لوصف فمه، وأذنيه، وساقيه، ويذكر أنه من طبيعته الاهتمام بالبيض، وبخاصة في أيام المطر، فإذا أحس أن المطر وشيك الحدوث، أسرع في الرواح ولو كان في غير ميعاد الإياب، وتزداد سرعته إذا كان بعيدًا عن مبيضه، أو إن بدأ سقوط المطر، وفي جريه السريع لا يمل ولا يشعر بالتعب، بل يضاعف من سرعته وتزيد حركة رجليه ورأسه، انخفاضًا وارتفاعًا، حتى ليكاد منسمه يشك عينه، وكلما ازداد جريه انتفخ صدره، فيتراءى كأنه بربط، ويظل يجري ويجري؛ ليصل إلى فراخه، وينقذ بيضاته، فتداركها، وحفظها، ثم نادى نعامته بأصوات معينة لم يفهمها الشاعر فكانت في سمعه كأنها رطانة الروم في قصورهم، وأخذ الظليم برأسه الصغير، وعنقه الخفيف، يرفع جناحيه ويخفضهما بسرعة، فجاءت إليه نعامته، وقد ردت عليه بصوت الأنثى فيه نغم وترنيم.

وهذا وصف بديع لهذا النوع من الحيوان، وتصوير لطيف لبعض عاداته، وقد أشار فيه الشاعر إلى معرفته بشيء عن الروم مما يدل على الصلة بينهم وبين العرب منذ الجاهلية.

ولو أردنا أن نستقصي كل ما قيل عن الحيوانات والطيور والحشرات في الشعر الجاهلي لطال بنا البحث والدرس، ويكفينا أن نذكر أنه قد ألفت في هذا الموضوع كتب، وقام فيه بعض الباحثين بأبحاث ودراسات مختلفة.

وفي وصف الأسلحة قال أوس بن حجر٩٥:

وإني امروء أعددت للحرب بعدما ... رأيت لها نابا من الشر أعصلا

أصم ردينيا كأن كعوبه ... نوى القسب عراصًا مزجًا منصلا٩٦

عليه كمصباح العزيز يشبه ... لفصح ويحشوه الذبال المفتلا٩٧

وأملس حوليًّا كنهي قرارة ... أحس بقاع نفح ريح فأجفلا٩٨


٩٥ شعراء النصرانية ص ٤٩٤.
٩٦ القسب: التمر اليابس. والقسب: الصلب الشديد. عراصًا: لدنًا.
٩٧ الفصح: عيد النصارى. الذبال: جمع ذبالة وهي الفتيلة. يشبه: يشعله.
٩٨ الحولي: ما أتى عليه حول. وفي رواية "صولى": نسبة إلى موضع معروف. النهي: الغدير. القرارة: المطمئن من الأرض. نفح الريح: هبوبها. أجفل: تحرك واطرد.

<<  <   >  >>