ومن الطبيعي ألا يحفل الإنسان بتسجيل نقيصة على نفسه في أي شيء. ويلاحظ أن الشاعر ما كان يعتذر عن شيء وقع منه إلا تحت ضغط ظروف قاهرة، فالمعتذر كان في الغالب يفعل ذلك ردًّا على عدو منتصر يفتخر، أو هاجٍ، أو لائم في حادثة كثر الحديث عنها، رغبة منه في الدفاع عن شرفه، أو المحافظة على كرامته، أو كرامة قومه.
وأكثر الاعتذار الحقيقي في مجال الحروب والقتال جاء من قوم اشتهروا بالبطولة الفائقة والشجاعة النادرة كعامر بن الطفيل، ودريد بن الصمة، وعبيد بن الأبرص، وقد يكون ذلك راجعًا إلى اعتماد هؤلاء، وأمثالهم على ما لهم من شهرة حربية، وشيوع خبرتهم بالقتال، كأن بطولتهم أمكن وأرسخ من أن تزعزعها أمثال هذه الحوادث التافهة النادرة على أنهم في كثير من الأحيان كان ينسبونها للحظ، أو القدر، أو شيء خارج عن طوق إرادتهم، كأن الواحد منهم كان يبغي ألا يؤاخذ على شيء لم يكن في مقدوره.
وكانت أبيات الاعتذار من الأبطال المشهورين يصحبها في العادة، فخر بأمجاد حربية سابقة، وتهديد للعدو بحرب شعواء. كأن المعتذرين كانوا يقصدون أن يبرهنوا على أنهم ليسوا ضعفاء ولا جبناء. وأنهم واثقون من أنفسهم، معتمدون على قوتهم وبأسهم مما سيكون له أعنف الآثار في الأعداء. كما كان الاعتذار في بعض الأحيان يتضمن هجاء يجمع مساوئ العدو. رغبة في إضعاف الروح المعنوية للأعداء والتقليل من شأنهم.
أما اعتذاريات من عاش على التكسب بشعره في المدح كالنابغة الذبياني، فواضح فيها العبودية والذلة وإن حفلت بتفتيق المعاني وتنويع الصور.