الغنوي، وعلقمة الفحل والمثقب، والمتنخل، والنابغة، وإن كانت بعض الروايات تعلل ألقابهم هذه بأنها لكلمات وردت في أشعارهم بهذه الألفاظ.
وفي تأليف الأبيات، وتكوين العبارات، نجدهم كانوا -بوجه عام- يتحرون الدقة في التعبير، فلا يأتون بكلمات زائدة، أو لا لزوم لها. فكانوا يأتون بالألفاظ والعبارات على قدر المعنى المقصود، فلا ينقصون ولا يزيدون، فلم يأت في تعبيرهم -على العموم- حشو، ولا زخارف مصنعة، فالأسلوب في الشعر الجاهلي قوي رصين، كل ما فيه لازم وضروري، لتكميل الصورة، فليس فيها نقص يخله، ولا زيادة تشوهه، أو تقلل من حسن العرض وجمال التصوير.
وقد نجد فيه الآن غرابة في بعض الألفاظ، وليس السبب في ذلك أن الشعراء كانوا يختارون الألفاظ الغريبة، أو غير المستعملة، بل بالعكس كان كل منهم يحاول أن يختار الألفاظ الأدبية المعروفة لدى الجميع، حتى تجري على جميع الألسنة، ويكتسب شهرة ما تنتشر أشعاره، وإنما تبدو هذه الألفاظ بالنسبة لنا غريبة لعدم استعمالنا لها ولطول العهد بيننا وبين الوقت الذي كانت شائعة ومستعملة فيه، ولاختلاف بيئتنا عن بيئتهم التي كانت فيها هذه الألفاظ شائعة الاستعمال، ومفهومة لدى الجميع وكان التعبير بها يعتبر بسيطًا سهلًا.
وتدل الأشعار الجاهلية على غنى الشاعر اللغوي، فيبدو من الشعر الجاهلي بوضوح أن كل شاعر كان لديه ذخيرة لا تنفد من الألفاظ والعبارات اللغوية والشعرية المختارة، وكان في إمكان الواحد منهم أن يأتي بمئات من الألفاظ تتفق كلها في الحرف الأخير منها، وفي النغم الإيقاعي، والجرس الموسيقي، ولعل ذلك هو الذي دفعهم إلى التزام وحدة القافية في جميع القصيدة من أولها إلى أخرها مهما بلغت من الطول.
ولا شك أن مما يدل على مهارة الشاعر العربي اللغوية، واحتفاله بالألفاظ والعبارات في شعره، التزامه وحدة الوزن الشعري في جميع أرجاء القصيدة الواحدة فهذا يضطره إلى اختيار الألفاظ والتراكيب التي ينتج عنها انسجام تام في الترنيم، وتوافق دقيق في الإيقاع، وهذا من ناحية أخرى يدل على ما يتمتع به الشاعر من ثروة لغوية واسعة، تمكنه من اختيار ما يحلو له، ووضعه في مكان يظهر حسنه وجماله.