الواسعة واعتدال المناخ، ولكن نوع تلك الحكومات في تلك الدول غير معروف، ويبدو أنها كانت على وجه عام من الحكومات المطلقة الاستبدادية"٢.
أما البدو. فكان النظام القبلي هو السائد فيهم، ولم تكن هناك حكومة مركزية ترعى مصالح الشعب بأجمعه، وتنفذ القانون على الجميع، وتنشر العدل والطمأنينة والأمن بين جميع الطبقات، إنما كانت كل قبيلة بمثابة دول مستقلة لها كيانها الذاتي الخاص، شعبها يتكون من أفرادها فقط، ولها وطنها وحرمها الذى تحافظ عليه، وتدافع عنه وتحميه، ولذلك كان يسمى الحمى، وهذا الحمى كان حرمًا للقبيلة لا ينبغي أن يمسه أو يقترب منه أجنبي، مثله مثل حدود الدولة في عصرنا الحاضر. وكان أفراد القبيلة يتعاونون ويتساندون في الحفاظ على شرف القبيلة وحماها وهم متساوون فيما بينهم، ولا يعتبرون غيرهم أعلى منهم، أو حتى مساويًا لهم، ولا يدينون بالطاعة إلا لرئيس قبيلتهم، فوطنيتهم كانت وطنية قبلية لا وطنية شعبية، كما كانت الحرية التي يتغنون بها ويتمسكون بها حرية شخصية لا حرية اجتماعية، وكان على القبيلة في مجموعها أن تحمي كل فرد من أفرادها وتهب كلها للدفاع عنه والأخذ له بحقه والانتصاف له إن أصابه ضيم، أو مست كرامته، ومن هنا كان لهم القول المشهور: "في الجريرة تشترك العشيرة"؛ فالقبيلة كانت تعتمد على أفرادها في قوتها وحياتها وشرفها وهيبتها، وكان الفرد يعتمد على القبيلة في كل ما له من حقوق، نظير ما كان عليه من واجبات، لذلك اشتد تعلق القبائل بأفرادها، كما اشتد تعلق الفرد بقبيلته، ومن هنا وجدت بينهم العصبية قوية، فكان التعصب للدم شديدًا، ووقف الفرد بجانب أخيه من قبيلته في جميع الأحوال ظالمًا كان أم مظلومًا.
ولشدة اهتمامهم بالقرابة والصلة العصبية ولحمة الأبوية اهتموا بالأنساب اهتمامًا عظيمًا. فكان الواحد منهم يعرف نسبه ونسب قبيلته محددًا مضبوطًا، ونرى أثر ذلك في أشعارهم التى تفيض بذكر الأباء والأجداد والبنين والأحفاد، ولشدة اهتمامهم بالنسب عرف قوم منهم كانوا مشهورين بمعرفة أنساب العرب حتى سموا بالنسابين.
ولوجود النظام القبلي بين أهل البادية، وانتشار الفوضى وتهديد الأمن والسلام في أية لحظة كان يهم القبيلة أن يكون أفرادها كثيرين، فمن أقوالهم: "للكثرة الرعب" حتى يمكنها