قداح يضربونها، لكل قدح منها نصيب معلوم، والميسر: مصدر ميمي من يسر ييسر، واشتقاقه إما من اليسر أي أخذ مال الرجل بيسر وسهولة من غير كد ولا تعب، أو من اليسار لأنه سلب يساره. وكان الميسر من مفاخر العرب لأنهم كانوا يفعلونه في أيام الشدة والقحط والجوع. وكل قصيدة يفخر فيها الشاعر كان الميسر يحتل جزءًا بارزًا فيها.
وقيل: كانت صفة الميسر أن يجتمع الفتيان وذوو اليسار منهم ويشتروا جزورًا وينحرها الجزار ويقسمها عشرة أجزاء، ثم يحضر الأيسار وهم القوم المجتمعون في الميسر، ويؤتى بالقداح، وهي عيدان متساوية الطول، وهى عشرة: القذ والتوءم والرقيب والحلس والنافس والمسبل والمعلى. وهذه لها أنصباء، للأول سهم، وللثاني اثنان، والثالث ثلاثة، وهكذا إلى المعلى له سبعة أسهم، والثلاثة الباقية لا نصيب لها وهي المتيح والسفيح والوغد، فهذه أغفال ليس فيها جزوز ولا علامات لها، وهي للتكثير، ولنفي التهمة وإبعاد المحاباة.
فإذا حضرت القداح وحضر الأيسار أخذ كل منهم من القداح على قدره وطاقته ورياسته، ثم يدفعون القداح إلى رجل كانوا يسمونه "الحرضة" وهو الذي يضرب للأيسار بالقداح -وأكثر ما كانوا يجتمعون للميسر بالليل ويوقدون نارًا لذلك- ثم يؤخذ ثوب شديد البياض فيلف على يد الحرضة ليغشى بصره، فلا يعرف قدح فلان من قدح فلان منعًا للمحاباة، فإذا أخذ القداح لم ينظر إليها، ويجلس خلفه شخص آخر كان يطلق عليه اسم الرقيب، ليعرف ما يخرج من القداح فيخبرهم به ويعتمدون على قوله فيه، ثم يجلس الأيسار حوله دائرين به، ثم يفيض بالقداح، فإذا نشز أي ارتفع منها قدح استسله الحرضة من غير أن ينظر إليه ثم ناوله الرقيب، فينظر الرقيب لمن هو فيدفعه إلى صاحبه، فيأخذ من الجزور على قدر نصيب القدح منها وذلك هو الفوز. وعند انتهاء توزيع أقسام الجزور على أصحاب القداح الفائزة، يعرفون القداح التي لم تفز، ويغرم أصحابها، كل بقدر نصيب قدحه٥.
٥ تاريخ اليعقوبي: دار صادر بيروت سنة ١٩٦٠، جـ١ ص٢٥٩.