بالليالي وقت فراغ أبي عوانة بقراءة والده على أبي عوانة، وكان أبو عوانة يداعبه ويحادثه ويطعمه الفانيذ؛ لئلا ينعس في حال السماع حتّى يحصل له سماع جميع "المسند"، وقد أجاز له أبو عوانة، ولجماعة معه جميع كُتُبه ومسموعاته في وصية له، فقال: قد أجزت لهم جميع كتبي الّتي سمعتها من جميع المشايخ، منها كتب عبد الرزّاق، وكتب ابن أبي الدنيا، وأحاديث سفيان، وشعبة، ومالك، والأوزاعي، والتفاسير، والقراءات، ليرويها عني على سبيل الإجازة، في رمضان سنة خمس عشرة وثلاثمائة، ولما مات أبو عوانة كان لأبي نعيم ست سنين وعشرة أشهر، ولد أبو نعيم في شهر ربيع الأولي سنة عشر وثلاثمائة، وحدث سنين، وألحق الأحفاد، وكانت الرحلة إليه بإسفرايين من البلاد، ثمّ حمل إلى نيسابور سنة تسع وتسعين وثلاثمائة، ونزل في دار الشّيخ أبي الحسن البَيْهقي، وحضره السادة الأئمة والقضاة والمتفقهة، تركوا الدروس والمجالس وجميع الأشغال، وأخذوا في قراءة "المسند" عليه، وأحضروا الأولاد، وكان المجلس غاصًا بالناس، بحيث لم يعهد بعده بنيسابور مثل ذلك المجلس لسماع الحديث، كما حدّثنا الثقات، وعاد إلى إسفرايين، وقد سمعنا "المسند" عن جماعة عن أبي نعيم، عن أبي عوانة الحافظ، سمعه -يعني أبا نعيم- والده من خاله "المسند"، واحتاط له في سماعه، فبارك الله فيه حتّى سمع من الأئمة، واشتهر به، وكان رجلًا صالحًا ثقة. وقال ابن النجار في "ذيل تاريخ بغداد": قدم بغداد حاجًا وحدث بها، وقال الذهبي في "النُّبَلاء": الشّيخ العالم مسند خراسان، طال عمره، وتكاثر عليه المحدثون. وقال في "العبر": كان صالحًا ثقة، اعتنى به أبو عوانة، وأسمعه كتابه، وعمّر، وازدحم عليه الطلبة، وأحضروه إلى