لقد عاش حياته يرى أن أخذ الدين بالرأي، ومن أقوال هذا وذاك، إنما هو هدم للإسلام، ولذا فكان، رحمه الله، يأمر بتتبع هذه الكتب، التي تحتوي على الأحاديث الشريفة، ثم يقوم مؤلفوا الكتب بحشر أراء الناس بين هذه الأحاديث، فيخلطون الخبيث بالطيب، فكان الإمام أحمد يأمر بطرح هذه الأقوال، وحذفها، وتجريد الكتاب على الحديث الشريف وحده، ففيه الكفاية لمن كان له قلب، وفيه الغنى لمن أنار الله بصيرته، ومن لم يكفه حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فالنار تكفيه.
قال ابن هانىء: سئل أحمد بن حنبل، عن أبي حنيفة، يروى عنه؟ قال: لا. قيل: فأبو يوسف (صاحب أبي حنيفة) ؟ قال: كأنه أمثلهم. ثم قال: كل من وضع الكتب، فلا يعجبني، ويجرد الحديث. «مسائل ابن هانىء» ٢٣٦٨ - ٢٣٦٩.
وقال أحمد: لا يعجبني شيء من وضع الكتب، ومن وضع شيئًا فهو مبتدع.
وقال ابن هانىء: سألت أحمد عن كتاب مالك والشافعي أحب إليك أو كتب أبي حنيفة وأبي يوسف؟ فقال: الشافعي أعجب الي، هذا إن كان وضع كتابا، فهؤلاء يفتون بالحديث (يعني مالكًا والشافعي) وهذا يفتي بالرأي (يعني أبا حنيفة) فكم بين هذين. «المسائل» ١٩٠٨ و١٩٠٩.
وقال ابن هانىء: سمعت أحمد، وسأله رجل من أردبيل، عن رجل يقال له: عبد الرحمن، وضع كتابا. فقال الإمام أحمد: قولوا له: أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل هذا؟ أو أحد من التابعين؟ فاغتاظ الإمام أحمد، وشدد في أمره، ونهى عنه. وقال: انهوا الناس عنه، وعليك بالحديث. «المسائل» ١٩١١.
وهذا الذي نقلناه فيه الكفاية للدلالة على ما عاش عليه أحمد بن حنبل،
- فالرجل بريء من هذا المذهب الذي تقوله عليه الناس.
- وكل قول ينسب للإمام أحمد فهو باطل، من أنه كان يأخذ بقياسٍ، أو إجماعٍ، أو غير ذلك من مصطلحات الذين لا يكادون يفقهون حديثا.
- وأنه عاش داعيا إلى نبذ التقليد الأعمى، وجعل تقليده وإتباعه لهذا النبي الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم -.
- ولم يفرق أحمد بن حنبل بين رأي ورأي، وإن كان رأي مالك، أو الشافعي، أو الأوزاعي، فالرأي كله سواء، والرأي كله هدم للإسلام.
- وهذه الكتب التي بين أيدينا، والتي تسمى زورًا بكتب الفقه، والتي جمعت الحديث الشريف، بجانب آراء الناس، كان أحمد بن حنبل يؤمن أن الهداية والكفاية في حديث