فهذا المازري وقف في حدود المذهب ومع ذلك استطاع أن يكون كما قال ابن غازي: إذا قَالَتْ حَذَامِ فَصَدِّقُوهَا.
والجانب هذا من المازري أغفله الكاتبون وهو جانب حري بالبحث والاتباع لأنه جانب مبني على دراسة نفسية للشعوب حتى تتقبل الإِصلاح بدون إرغام وإِكراه، فلله دره في هذا الموقف المتزن المرن.
ثم هو فقيه مالكي متحرر في آرائه واستنباطه ومراعاته للمذاهب الأخرى.
ونؤيد هذا إرساخاً لما قلناه في النفوس بما ذكره أحمد بن يحيى الونشريسي (٩١٤) الفقيه المالكي صاحب المعيار في كتابه إيضاح المسالك إلى قواعد الإِمام مالك (٨٤) في قاعدة: كل مجتهد في الفروع الظنية مصيب أو المصيب واحد لا بعينه، اختلفوا فيه.
وبنى على هذه القاعدة صحة الصلاة وراء الإِمام المخالف ثم ذكر فائدة عن العلامة ابن رشَيْد صاحب الرحلة المشهورة قال: "رأيت الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد أول ما رأيته بالمدرسة الصالحية دخلها لحاجة عرضت له فسلمت عليه، وهو قائم وقد حف به جمع من الطلبة وعُرضت عليه ورقة سئل فيها عن البسملة في قراءة فاتحة الكتاب في الصلاة وكان السائل فيما ظننته مالكياً فمال الشيخ في جوابه إلى قرءتها للمالكي خروجاً من الخلاف في إبطال الصلاة بتركها، وصحتها مع قراءتها، فقلت: يا سيدي أذكر في المسألة ما يشهد لاختياركم.
قال: ما هو؟
فقلت: ذكر أبو حفص (وأردت أن أقول: الميانشي)، فغلطت وقلت:
(٨٤) ومن هذا الكتاب نسختان في مكتبة كاتبه، ونسخة ثالثة في مكتبة الوالد المرحوم محمد الصادق النيفر.