تحمل الثانية عليها فيكون المحمول في المقدمة الأولى هو الموضوع في المقدمة الثانية وتكون النتيجة موضوع المقدمة الأولى ومحمول الثانية فيصير كل مسكر حرام. ويجعل أصحاب المنطق هذا أصلا يسهّلون به معرفة النتائج والقياس، وهذا وإن اتفق لهذا الأصولي ها هنا وفي موضع أو موضعين في الشريعة فإنّه لا يستمرّ في سائر أقيستها، ومعظم طرق الأقيسة الفقهية لا يسلك فيها هذا المسلك ولا يعرف من هذه الجهة وذلك أنّا مثلا لو علّلنا تحريمه - صلى الله عليه وسلم - التفاضل في البُرّ بأنه مطعوم كما قال الشّافعي لم يقدر أن يعرف هذه العلّة إلا ببحث وتقسيم فإذا عرفناها فللشّافعي أن يقول حينئذ كل سفرجل مطعوم وكل مطعوم ربوي فتكون النتيجة السّفرجل ربوي على حسب ما قلناه من كون النّتيجة موضوع الأولى ومحمول الثّانية ولكن هذا ما يفيد الشّافعي فائدة لأنّه إنّما عرّف هذا وصحة هذه النّتيجة بطريقة أخرى فلماَّ عرّفها من تلك الطريقة أراد أن يضع عبارة يعبرّ بها عن مذهبه فجاء بها على هذه الصّيغة ولو جاء بها على أيّ صيغة أراد مماّ تؤدي عنه مراده لم يكن لهذه الصيغة مزيّة عليها وإنما نبّهنا على ذلك لماَّ ألفينا بعض المتأخرين صنّف كتابا أراد أن يردَّ فيه أصول الفقه لأصول علم المنطق وقد وقع في بعض طرق مسلم "كلّ مسكر حرام" وهذا نتيجة تينك المقدّمتين من غير أن تذكرا وتانِك المقدمتان ذكرتا في طريقة أخرى من غير نتيجة وفي طريق ثالثة "كلّ مسكر خمر وكلّ مسكر حرام" وهذا ذكر فيه إحدى المقدّمتين مع نتيجتهما لو اجتمعتا وهذا يشعرك بأنّ الشرع لا يلتفت إلى النّاحية التي نحا إليها هذا المتأخّر.
٩٣٨ - وذَكَرَ مسلم بعد هذا أنّه - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أن ينبذ الزّبيب والتّمر جميعاً ونَهَى أن يُنبَذ البُسر والتّمر جميعا وفي بعض طرقه من شربَ النّبيذ منكم فليشربه زَبيبا فردا أو تمرا فردا أو بسًرا فردًا وقد اختلف العلماء في الخليطين