يخبر من أخبار الآخرة؟ وقد زعم بعض الطّبائعيين المثبتين لما أثبتناه من هذا أنّ العائن تنبعث من عينه قوّة سُمِّيَة تتّصل بالمعيون فيهلك أو يفسد قالوا: لا يستنكر هذا كما لا يُستنكر انبعاث قوّة سميّة من الأفعى والعَقرب تتصل باللّديغ فيهلك وإن كان ذلك غَيَر محسوس لَنا فكذلك العين، وهذا عندنا غير مسلّم لأنّا بيّنا في كتب (٤) علم الكلام ان لا فاعل إلاّ الله تعالى وَبيَّنَّا إفساد القول بالطّبائعِ وبَيَّنا أن المحدَث لا يفعَل في غيره شيئا وهذه الفصول إذا تقرّرت لم يكن بنا حاجة معها إلى إثبات ما قَالوه، ونقول هل هذا المنبعث من العين جوهر أو عرض فباطل أن يكون عرضًا إذ العرض لا ينبعث ولا ينتقل وَبَاطل أن يكون جوهرا إذ الجواهر متجانسة فليس بعضها أن يكون مفسدا لبعض أولى من أن يكون الآخر مفسدا له فإذا بطل كونه عرضا أو جوهرا مفسدا على الحقيقة بطل ما يشيرون إليه.
وأقرب طريقة يسلكها من ينتحل الإسلام منهم أن يقول: غير بعيد أن تنبعث جواهر لطيفة غير مرئيّة من العين فتتّصل بالمعيون وتتخلّل مسامَّ جسمه فيخلق الباري عزّ وجلّ الهلاك عندها كما يخلق الهلاك عند شرب السُّموم عادةً أجراها الله سبحانه وتعالى لا ضرورة وطبيعة ألجأ العقل إليها.
وهكذا مذهب أهل السنّة أن المعيون إنما يَفسد أو يهلك عند نظر العائن بعادة أجرَاها الله سبحانه أن يخلق الضرر عند مقابلة شخص لشخص آخر، وهل ثَمَّ جواهر تخفى أم لا من مجوزات العقول والقَطع