للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأما قوله "فَمَقَتَهم عَربهَم وَعَجَمَهم إلَاّ بقايا من أهل الكتاب" فالأظهر أنه أرادَ قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن العرب كانت حينئذ ظُلَاّلاً والعجم إلَاّ بقايا من أهل الكناب كما قال - صلى الله عليه وسلم -.

وَأمَّا قَولَه: "وأنزَلتُ عَلَيكَ كِتَابًا لا يَغسِله المَاء تقرؤه نَائماً ويقْظانا". فيحتمل أن يشير إلى أنه أودعه قلبَه وسهّل عليه حِفظَه وَما في القُلُوب لا يخشَى عليه الذّهاب بالغَسْلِ ويحتمل أن يريدَ الإشارةَ إلى حفظه وبقائه عَلى مرّ الدَّهر فكنى عَن هَذَا بهذا اللَّفظ.

وقوله "نائما ويقظانا" يحتمل أن يريد به أنه - صلى الله عليه وسلم - يوحى إليه في مَنامِه كَماَ يوحَى إلَيه في يَقظَتِهِ وأن مَا يَرَاه في مَنامه من ذلك حق موثوق به كما يوثق باليَقَظَة ولا يَبعد أن الباريَ سبحانه يريه في المنام آيَةً من القرآن يقرؤها تقدم إنزالها أو يكون أعلم بصحتها يقظانا وقد يحتمل أنه يَقرؤه مضطَجعا كما يقرؤه قائما. ويسمى المضطجع نَائماً مجازا لأنَّ المضطجع يصلي كذلك إذا عَجَزَ عن القيام أو لِعذرٍ لكن قوله "يقظانًا" لا تكون فيه مقابلة إلى قوله "نائما" إذا تأولناه على المضطجع فيكون التأويل الأول يرجح بما في لفظه من المقابلة هذا الذي يظهر لي في تأويل هذه الألفاظ وَلمَ أقف فيها لأهل العلم على شيء غير أن الشيخ أبا بَكر بن فورك -رضي الله عنه- تَكَلّم على قوله - صلى الله عليه وسلم - "لو جعل القرآن في إهَابٍ ما احترق" وذكر فِيه تَأويلات منها أن الإنسان الواعى للقرآن لا يحترق. ومنها؛ أن ذلك مخصوص بعصر النبيء - صلى الله عليه وسلم - علامة لنبوته. ومنها: أن المراد أن القرآن في نفسه لا يحترق وإن احترق الإهاب والمداد قال: وهذا كقوله "كتابا لا يغسِله الماء" يعني أنه لا يفنى ولا يندرس وتأويله هذا نحو من تأويلنا. وكنت تأولت الحديث على ما قدمته قَبل أن أقف للشيخ أبي بكر على هذا الفصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>