للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وما انتقده المازري انتقده كذلك الحافظ ابن الجوزي في منهاج القاصدين: "فاعلم أن في كتاب الإِحياء آفات لا يعلمها إلا العلماء وأقلها الأحاديث الباطلة الموضوعة، والموقوفة وقد جعلها مرفوعة وإنما نقلها كما اقتراها (١٢٧). لا أنه افتراها، ولا ينبغي التعبد بحديث موضوع والاغترار بلفظ مصنوع". وكيف أرتضى لك أن تصلي صلوات الأيام ولياليها، وليس فيها كلمة قالها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

وكيف تؤثر أن يطرق سمعك من كلام المتصوفة الذي جمعه وندب إلى العمل به ما لا حاصل له: من الكلام في الفناء والبقاء، والأمر بشدة الجوع والخروج إلى السياحة في غير حاجة، والدخول في الفلاة بغير زاد، إلى غير ذلك مما قد كشفت عن عواره في كتابي المسمى تلبيس إبليس (١٢٨).

وإذا نظرنا إلى الانتقادين الموجهين إلى الإِحياء نرى أن صاحبنا عبر بعبارة لطيفة وهي أن التورع يمنع صاحبه عن أن يعزو إلى الأمة ما لم يقولوه فضلاً عن إيراد الأحاديث الواهية.

والتورع معناه: التحرج وليس هناك لفظة ألطف في الانتقاد من هذه لأنه لم يهجم عليه الهجوم العنيف في إيراد الأحاديث الموضوعة أو الموقوفة مع أنه يرويها مرفوعة وإنما قصارى ما عبر به أنه كان الحري به أن يتحرج من إيراد تلك الأحاديث حتى لا يدخل في زمرة الذين ورد فيهم تشديد الوعيد.

وإذا نظرنا إلى ابن الجوزي نراه لم يترك في كنانته سهماً انتقادياً إلا رماه به إذ يقول: "في كتاب الإِحياء آفات لا يعلمها إلا العلماء وأقلها الأحاديث الباطلة الموضوعة". فقد جرد كتاب الإِحياء من كل فضيلة إذ نسب إليه


(١٢٧) اقتراها: جمعها، وأصل معنى اقترى: تتبع.
(١٢٨) منهاج القاصدين (ص ٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>