للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ممزوج بشيء كالماء النمير، فكما لا نقبل الوضوء بما يخالط الماء ولو كان عطراً كذلك لا نقبل الدين إلا كما هو بدون مزجه بأي شيء.

وإنما وقف منتقد الإِحياء عند ما حدده الإِمامان مالك والأشعري لمحافظتهما على روح الشريعة بدقة بدون إدخال شيء خارجي عنها وإن كان لا يمس بجوهرها. والنظرية المذكورة نظرية شدة التمسمك بالمفاهيم القرآنية والحديثية هى التي لا تبتعد عن المبادىء الأساسية التي حددتها الشريعة.

وأما الثاني: وهو الغزالي فإنه وإن كان واقفاً عند ذلك إلا أنه تأثر غاية التأثر في كتابه الإِحياء بشيء يراه غيره من الفقهاء ليس من علوم الشريعة وهو التصوف لأنه يرى أن العبادة إن كانت خالية منه كانت خالية من الحياة بل يرى أن الدين كله لا فرق بين عبادات ومعاملات لا حياة له إلا بالتصوف لأنه يراه هو السبيل الوحيد للانتفاع بالعلم دون غيره ومن لم ينتفع بعلمه اندرج في سلك الذين جاء في حقهم الحديث النبوي المروى عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ عَالِمٌ لَمْ يَنْفَعْهُ الله سُبْحَانَهُ بِعِلْمِهِ"، والوصول إلى الانتفاع بالعلم هو الإِخلاص لله سبحانه وتعالى لأن "ما سوى الخالص لوجه الله من العلم والعمل عند الناقد البصير رد" (١٣٥).

وهذا ما لا يخالف فيه المازري ولا يرده وإنما يختلفان في نقطة الوصول إلى الإخلاص، فالغزالي يراه من طريق التصوف وهو يراه من غير ذلك. ويوضح رأي من يرى السلوك التصوفي أن الطريق وعرة ولا بد فيها من دليل مرشد خرّيت وإلا تاه السائر وذهبت به بُنيات الطريق في غير ما يريد ووقع في حيص بيص، ويعبر عن هذا ما جاء في أول كتابه: "وسلوك طريق الآخرة


(١٣٥) الإِحياء (ج ١ ص ٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>