قال الشيخ -وفقه الله-: شذ بعض الناس فأخذ بظاهر هذا، ورأى أن صوم الجنب لا ينفعه. وقد أشار في كتاب مسلم إلى رجوع أبي هريرة عن ذلك وأرسل الحديث أولاً ثم أسنده لِمَا قيل له وأحال على الفضل بن عباس.
فإن قيل: كيف وجب رجوعه عن ذلك وَلِمَ قال بخلافه؟ ولِمَ أخذ جماعة العُلَماء بخلاف هذا الحديث إلا رجلاً أو رجلين فإنهما شذّا مع أن أبا هريرة رواه عَنِ الفضل بن عباس؟
قلنا: قد عارضه ما ذكر في هذا (٢٤) الحديث عن عائشة وأم سلمة -رضي الله عنهما- من أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصبح جُنُبا من غير حُلمٍ ثم يصوم. وأشار في الحديث إلى أن أبا هريرة لما سمع هذا عنهما اعتذر بما اعتذر. وهذا فعل منه - صلى الله عليه وسلم - والأفعال تُقدّم على الأقوال عند بعض الأصوليين، ومن قدم منهم الأقوال فإنه يرجح هاهنا الفعل لموافقته ظاهر القرآن لأن الله سبحانه أباح المباشرة إلى الفجر وإذا كانت النهاية إلى الفجر فمعلوم أن الغسل إنما يكون بعد الفجر إذ كان الجماع مباحاً إليه فاقتضى هذا صحة صوم من طلع الفجر عليه وهو جنب، فلما طابق ظاهرَ القرآن فعلُه - صلى الله عليه وسلم - قدم على ما سواه.
وقد قيل: إن ما رواه أبو هريرة محمول على أن ذلك كان في أول الإِسلام لما كانوا إذا ناموا حَرُم عليهم الجماع فلما نسخ ذلك نسخ ما تعلَّق به.
قال الشيخ: خرّج مسلم في هذا الباب: "حدثنا محمد بن رافع نا عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي بكر قال: سمعت أبا هريرة يقول في قصصه: من أدركه