للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال الشيخ -وفقه الله-: اختلف الناس في افتقار النكاح إلى وليّ، فأوجبه مالك على الإِطلاق، وأوجبه داود في البكر خاصة، وأسْقَطه أبو حنيفة في الثيبات وفي الأبكار البوالغ الجائزات الأُمور، واعتبر أبو ثور إذْنَ الوليّ خاصة؛ فَلِمَالك قوله تعالى: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ} (٣٥) فخاطب الأولياء، ولو لم يكن لهم في ذلك حق لما خاطبهم بذلك.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لَا نِكَاحَ إلَاّ بِوَلِيٍّ". وقد قال بعض أهل العلم: إن لفظ النفي للذات الواقعة إذا ورد في الشرع فإنه وإن حمل على نفي الكمال أو تردد بينه وبين الجواز على ما سبق القول فيه قبل هذا فإن ذلك إنما يكون في العبادات التي لها موقعان موقع إجزاء وموقع كمال؛ وأما النكاح والمعاملات فليس لها إلا موقع واحد، وهو نفي الصحة.

وأمَّا داود فله قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الثيّب أحقّ بنفسها" الحديث المتقدم. ففرق فيه بين البكر والثيب فلو كانا يستويان في افتقارهما إلى الولاية لم يكن للتفرقة معنى. وقد نص في الثيب "أنها أحق بنفسها من وليها" وفي البكر أنها تُستأمر. وهذا نص ما ذهب إليه من التفرقة.

وأجاب أصحابنا عن ذلك بأن المراد أنها أحق بنفسها في تعيين الأزواج لا في تولي العَقد كما قال داود: إنها أحق بهما جميعًا. قال أصحابنا: والدليل لما قلناه أن لفظة "أحق" من أبْنية المبالغة، وذلك يُشعر أن للولي حقا ما معها، وليس إلا ما قلناه من تولي العقد.

وأما أبو حنيفة فله القياس على البياعات فإنها تنعقد وإن باشرتها المرأة بنفسها. وكذلك إجارتها لنفسها وإذا ثبت أن بيعها وإجارتها لا يفتقران إلى ولاية والنكاح (٣٦) لا يخلو أن يكون بيعًا أو إجارة وأيَّ ذلك كان


(٣٥) (٢٢١) البقرة.
(٣٦) في (ب) "فالنكاح".

<<  <  ج: ص:  >  >>