للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأما "نهيه عن بيع الماء" وفي الطريق الآخر "عن فضْل الماء". فاعْلم أن من الناس من زعم أن الإِجماع قد حصل على أن من أخذ من دِجلة ماء في إنائه وجازه دون الناس أن (٢٤) له بيعَه إلا قولاً شاذَّا ذكر في ذلك لا يعتد بخلافه عنده. ومحمل النهي عن بيع الماء مطلقا أنه باع مجهولا منه أو باع ما لم يحتفره (٢٥) في أرضه واحتفره للسبيل، أو على أن النهي ندب للإِسعاف به لاحتقار ثمنه وعظيم حاجة الناس إليه.

وقد اختلف الناس فيمن حفر بئرا للماشية في الفيافي هل له منع فضله؟ فعندنا ليس له منع ذلك بل يَبْذله بغير عِوَضٍ. ومن الناس من قال: لا يمنعه ولكن ليس عليه بذله بغير عوض بل بقيمته قياسا على المضطر لطعام غيره لإحياء نفسه فإنه لا يحل له منعه ولكن لا يلزمه بذل بغير عوض. وما وقع ها هنا من نهيه عن بيع فضل الماء يدل على صحة ما قلناه: ان الفَضْلَة لا تمنع، وأما إلزام المخالف بذلهَا بالقيمة قياسا على ما قالوه في الطعام فقياس غير صحيح لأن الطعام يُضر به بذله ولا يخلف ما بذله إلا بسعي ومشقة والماء ما ذهب منه عاد إليه مثله وتفجرت به الأرض فافترق الأصلان.

وقوله: "لَا يُبَاعُ فَضْلُ المَاءِ لِيُبَاعَ بِهِ الكَلأ" (٢٦). وقوله أيضًا: "لَا يُمْنَع فَضْلُ المَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الكلأ".

معناه أن أصحاب الماشية إذا مُنعوا الماء لم يردوا عليه، وإذا لم يردوا عليه امتنعوا من رعي ما حوله لعدم الشرب فيكون منعه الماء قصدًا لِمَنْع الكلأ الذي لا حق له فيه إضرارًا بالمسلمين ومنعًا لهم من حقوقهم، وذلك


(٢٤) "أن" ساقطة من (ج).
(٢٥) في (أ) "ما لا يحتفره".
(٢٦) جاء أولاً في (ج) "ليمنع به الكلأ" ثم صحح بالهامش بقوله: "ليباع به الكلأ".

<<  <  ج: ص:  >  >>