للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بعض المسائل هَرج وفتن ولو وقع النص عليها لارتفع الخلاف وذهب الهَرْج.

ولعله - صلى الله عليه وسلم - كَان أراد أن يتعرض لبعض هذه المسائل، وقد قال بعض العلماء: الأظهر عندي أنه أراد - صلى الله عليه وسلم - أن ينص على الإِمامة بعده ليرتفع بنصه عليها تلك الفتن العظيمة التي منها حرب صِفِّين والجَمَل، وهذا الذي قاله غير بعيد.

فإن قيل: كيف حسن الاختلاف مع قوله - صلى الله عليه وسلم - "أئتوني أَكْتُب لكم كتابا" (٣٢) وكيف يعصونه فيما أمر؟ قلنا: لا خلاف أن الأوامر تقارنها قرائن تنقلها من الندب إلى الوجوب عند من قال: إِن أصلها على الندب، ومن الوجوب إلى الندب عند من قال: إِن أصلها على الوجوب. وتنقل القرائن أيضاً صيغة افعل إِلى الإِباحة وإِلى التعجيز. وإلى غير ذلك من ضروب المعاني فلعلّه ظهر منه - صلى الله عليه وسلم - من القرائن ما دل على أنه لم يُوجب ذلك عليهم بل جعله إِلى تخييرهم، فاختلف اختيارهم بحسب اجتهادهم وهو يدل على رجوعهم إِلى الاجتهاد في الشّرعيات، فأدى عمر اجتهادُه إِلى الامتناع مِن هذا، ولعله استلوح أن ذلك منه - صلى الله عليه وسلم - صدر من غير قصد إليه جازم وهو المعني بقولهم: "هجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" وبقول عمر -رَضي الله عنه-: غَلَبَ عليه الوَجَعُ وما ضَامَّهُ من القرائن الدالة على أنه عن غير قصد جازم على حسب ما كانوا يعهدونه من قصوده - صلى الله عليه وسلم - في بلاغ الشريعة وأنه لا يجري مجرى غيره من طرق البلاغ التي اعتادُوها منه - صلى الله عليه وسلم - ظهر ذلك لعمر ولم يظهر للآخرين ما ظهر لعمر فخالفوه. ولعل عمر هجس في نفسه أَن المنافقين قد يتطرقون إلى القدْح فيما اشتهر من قواعد الإِسلام وبلَّغه - صلى الله عليه وسلم - لسائر المسلمين بكتاب يكتب (٣٣) في خلوة وآحاد ويضيفون إليه ما


(٣٢) "كتابا" ساقط من (أ) و (د).
(٣٣) في (ج) "فكتب".

<<  <  ج: ص:  >  >>