وهذا كله فيما إذا كانت صلاة الإمام والمأموم جميعاً خارج المسجد؛ كما قررناه. أما لو كان الإمام في المسجد، والمأموم خارج المسجد؛ كما يقتضيه تصوير ما جاء في بعض نسخ الكتاب، وهو الذي شرحه ابن يونس وغيره، ويجوز أن يحمل عليه ما جاء في أكثر النسخ؛ بجعل الحال من المفعول، لا من الفاعل، ولا منهما؛ فإن اتصلت بالمأموم الصفوف، فلا خلاف بين أهل الطريقين في الصحة، وإن انقطعت، ولم يحل بينهما حائل يمنع الاستطراق والمشاهدة- جازت صلاته؛ إذا لم يزد الانقطاع على ثلاثمائة ذراع، وإن كان المأموم في موات، أو شارع يستوي فيه الكافة.
وقيل: إذا كان في شارع، فلا بد من اتصال الصفوف، وحكاه الرافعي.
وعلى الأول، فمن أي موضع تعتبر المسافة؟ فيه أوجه:
أحدها: من آخر صف في المسجد إن كان، وهو ما صححه الإمام والمسعودي؛ فإن لم يكن مع الإمام في المسجد غيره؛ فيعتبر من موقف الإمام؛ كذا حكاه المتولي، والروياني في "تلخيصه"، ومجلي.
والثاني: من آخر المسجد، وهو ما حكاه القاضي الحسين عن النص، وبه جزم القاضي أبو الطيب وابن الصباغ، وقالا فيما إذا خرجت الصفوف من المسجد: فالاعتبار بآخر صف.
وعلى هذا قال الإمام: لو كان الإمام خارج المسجد في صحراء، والمأموم في آخر المسجد - فلا يحسب عليه ما بينه وبين آخر المسجد من ناحية الإمام من الذرع المذكور.
والثالث: إن كان المسجد لا فناء له، فمن المسجد، وإن كان له فناء، وهو موضع مطرح الثلج، ومصب ماء الميازيب، وملقى ترابه - فمن الفناء، حكاه المتولى، والقاضى الحسين، وهو ظاهر ما نقله المزنى.
وقال الماوردي: الاعتبار في ذلك بسور المسجد؛ لا من موقف الإمام؛ ولا من انتهاء الصفوف الداخلة فيه؛ فإذا كان بينه وبين سور المسجد ثلاثمائة ذراع فما دونها، صحت صلاته، وإن كان المأموم في دار بقرب المسجد، فظاهر نصه