رخصتان: جمع، وقصر، فلما لم تجز نية القصر إلا مع الإحرام لم تجز نية الجمع إلا مع الإحرام، وتحريره قياساً: أنه رخصة متعلقة بالسفر مفتقرة إلى النية؛ فكان محلها [مع] الإحرام كالقصر، وهذا القول ادعى الجمهور أنه مخرج من نصه على مثله في الجمع في المطر.
والثاني: أنه يجوز قبل الفراغ من الأولى؛ لأن الجمع هو الضم والمتابعة، ووقت الضم حال السلام، فملا جاز أن ينوي الجمع في غير وقت الضم، وهو حال الإحرام، جاز أن يجزئه إذا نوى في وقت الضم، وحين الفراغ، وما قاربه أولى، وخالفت هذه النية نية القصر؛ لأنها تراد لتنعقد ركعتين؛ فلذلك اشترطت في أولها، وهذا القول هو المنصوص في المسألة كما ادعاه الجمهور، وهو الجديد كما قال أبو الطيب، واختيار أبي إسحاق، وقال المزني: إنه أشبه بأصل الشافعي، ولا جرم [كان] هو الأصح في "المهذب" و"الرافعي"، وقد خرج [منه] إلى مسألة الجمع بعذر المطر قول آخر، وبه يحصل في كل من المسألتين قولان بالنقل والتخريج.
وقد امتنع بعض الأصحاب من التخريج في الصورتين، فأقر النصين، وفرق بأن المطر لا يشترط دوامه في جميع الصلاة الأولى، ويشترط دوام السفر في جميع الأولى؛ فلا يمتنع أن تكون صلاة الظهر وقتاً للنية من حيث اشترط سبب الجمع فيها، ولا يكون الأمر كذلك في عذر المطر؛ بل يتعين لنية الجمع وقت التحريم بالأولى؛ فإنه يشترط المطر عنده.
قال الإمام: والصحيح طريقة القولين.
وقد خرج المزني قولاً ثالثاً: أنه يجوز [إيقاع نية] الجمع بعد الفراغ من الظهر وقبل التحرم بالعصر؛ لأن اتصال صلاة الظهر بالعصر لا يزيد على اتصال سجود السهو، أي: وهو يجوز بعد السلام إذا لم يطل الفصل.
قال الإمام: وقد قبل الأئمة منه هذا التخريج على هذه الطريقة؛ فإن الجمع