قال الروياني في "تلخيصه": وقد قيل: إن الشافعي نص على هذا في كتاب استقبال القبلة.
قال الإمام: وإذا قلنا به، فلو أوقع النية مع التحريم بالثانية، فالظاهر من كلام المفرّعين عليه منع ذلك، وليس يبعد عن القياس تجويز ذلك؛ إذ لا فرق بين ربط الأولى بالثانية، وبين ربط الثانية بالأولى، نعم: لو نوى بعد التحرم بالثانية الجمع، فلا أثر لذلك، وصلاة العصر غير منعقدة، وفي كلام الصيدلاني إشارة إلى ذلك، [ومن] منع تخريج المزني- وهم العراقيون- قالوا: ما بعد السلام من الأولى ليس بوقت للضم، لِتَقَضِّي الأولى بالفراغ منها؛ فلا يكون جامعاً بينهما.
والفرق بين ما نحن فيه وسجود السهو: أنه أتى فيه بالنية مع الإحرام؛ لأنه نوى الصلاة مع الإحرام، وموجب الصلاة الإتيان بفروضها وسننها، وسجود السهو بدل عن المسنون؛ فلم يفتقر إلى نية مجردة، وليس كذلك الجمع بين الصلاتين.
وقد أفهم كلام الشيخ أنا على القول الثاني نعتبر أن تكون النية قبل السلام؛ فإنها لو كانت معه، لكانت مع الفراغ، [وهو ما حكاه الإمام عن شيخه، وإن الذي اختاره الشيخ أبو بكر: أنه يجوز إيقاعها] مع التحلل عن الأولى. وهو ما يقتضيه كلام الماوردي وغيره.
قال: وألا يفرق بينهما؛ لأنها إنما تفعل تبعاً، ولو فرق بينهما لم تكن تبعاً، ولأن الجمع يكون بالمقارنة أو بالمتابعة، والمقارنة متعذرة؛ فتعينت المتابعة.
ثم المرجع في التفرقة وعدمها إلى العرف عند العراقيين: فما يعد تفرقة يبطل الجمع، وما لا فلا، وإن كانت حقيقة الاتصال وقوع الإحرام بالثانية عقيب [سلام] الأولى، وبعضهم لم يضبط ذلك بحدّ. بل قال: لو أتى بكلمة أو كلمتين، أو الإقامة دون الأذان- لم يضر؛ لأنه يسير في العادة، وقد شهد للتفريق بالإقامة فعله- عليه السلام- فإنه صح أنه كان "يأمر بلالاً بالإقامة