أنها تصح قولاً واحداً؛ لأنه منع من إقامتها قبل الفراغ، وحكم بالبطلان في أصح القولين إذا فعلها قبل الفوات؛ فتعين ما ذكرناه.
قال: ومن لزمه فرض الجمعة، لم يجزئ له أن يسافر سفراً لا يصلي فيه الجمعة، أي: في يومه بعد الزوال، وبعد الزوال متعلق بالسفر لا بالصلاة، والتقدير: لم يجز له أن يسافر بعد الزوال سفراً لا يصلي فيه الجمعة.
ووجهه: أن الفرض توجه عليه بدخول الوقت- وهو الزوال- فلا يجوز تفويته بالسفر، وقد روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم:"من سافر من دار إقامته يوم الجمعة دعت عليه الملائكة: لا يصحب في سفره، ولا يعان على حاجته" أخرجه الدارقطني في "الأفراد"، ومثل هذا لا يكون على مباح.
فإن قيل: إذا زالت الشمس، لم تتعين إقامة الصلاة؛ فإن الصلاة إن وجبت فإنما تجب وجوباً موسعاًن وظاهر المذهب أن من أخّر الصلاة عن أوّل وقتها، ومات في أثناء الوقت، لم يمت عاصياً؛ فهلا خرج وجه في جواز السفر بعد الزوال؟!
قال الإمام: قلنا: الناس تبع للإمام في هذه الفريضة، فلو عجلها تعينت متابعته، وسقطت خيرة الناس في التأخير، وإذا كان كذلك فلا يدري متى يقيم الإمام الصلاة؛ فتعين انتظار ما يكون منه.
وعلى هذا لو سافر، كان سفره معصية؛ فلا يترخَّص ترخُّص المسافرين ما لم يمض وقت الجمعة، ثم حينئذ من حيث بلغ يكون ابتداء السفر؛ قاله القاضي الحسين والبغوي.
ثم محل ما ذكرناه إذا لم يخش فوت الرفقة لو تأخر لأجل الصلاة، [أما إذا كان في تأخيره لأجل الصلاة] فوت الرفقة جاز له السفر قولاً واحداً من غير كراهة؛ قاله القاضي أبو الطيب وغيره.