كانوا يقيمون حول المدينة، وما كانوا يصلون الجمعة، ولا أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بها؛ ولأجل ذلك جزم به الماوردي والفوراني والإمام، وكلام القاضي أبي الطيب الذي سنذكره يقتضيه أيضاً، والذي حكاه البندنيجي عن رواية البويطي ولم يحك سواه: أنها تنعقد فيها.
الثاني: أنه لو احترق البناء الذي تقام في مثله الجمعة، وانهدمت جدرانه، وكان أهله مقيمين [في] موضعه عازمين على إعادته وتجديده- لا تصح إقامة الجمعة فيه، وقد نص الشافعي في "الأم" على انعقادها في ذلك الموضع، ولزوم الجمعة لهم، وهو مما لا خلاف فيه، بخلاف ما لو نزلوا موضعاً، وأقاموا فيه؛ ليعمروا بلدة أو قرية [لا] تنعقد لهم فيه الجمعة قبل البناء؛ استصحاباً لما كان الأمر عليه قبل ذلك في الحالين.
قال القاضي أبو الطيب: ولا تنعقد على مذهب الشافعي جمعة في غير بناء إلا في مسألة الاحتراق وحدها، وهي شاذة عن الأصول.
قال: والثاني: أن تكون في جماعة؛ لقوله- عليه السلام- في حديث طارق السابق:"الجمعة حقٌّ واجبٌ على كلِّ مسلمٍ في جماعةٍ"، وهو إجماع؛ لأنها إنما سميت: جمعة؛ للاجتماع.
قال: والثالث: أن تقام بأربعين نفساً، أي: من الرجال؛ لما روى عطاء عن جابر قال:"مضت السنة أن في كل ثلاثة إماماً، وفي كل أربعين وما فوق ذلك جمعة"، أخرجه الدارقطني.
وجه الدلالة منه: أن قول الصحابي: "مضت السنة" بمنزلة قوله: "قال النبي صلى الله عليه وسلم".
وقد روي عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال: "كنت قائد أبي من بيته حين عمي، فكان إذا سمع [النداء] بالجمعة أكثر الترحم على أبي أمامة- سعد بن