للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: والخامس: ألا يكون قبلها ولا معها جمعة أخرى، أي: في البلد.

قال الشافعي: لأنه لو جاز فعلها في مسجدين، لجاز في مسجد العشائر، وذلك لا يجوز إجماعاً؛ فكذا هنا، والعشيرة: المحلَّة، والعشائر: جماعة.

ولأن القدوة في هذا بالرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده، ولم ينقل أنهم جمَّعوا في أكثر من موضع واحد في المدينة.

ولأن الجمعة إنما سميت؛ لاجتماع الجماعات من الجوانب.

قال الأصحاب: وقوله تعالى: {إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا} [الجمعة: ٩] يدل عليه؛ فإن الظاهر أنّ هذا أمر بالسعي إلى صلاة واحدة عند نداء واحد.

ولا فرق في ذلك بين أن يقل الجمع في البلد أو يكثر.

فإن قيل: قد دخل الشافعي- رحمه الله- بغداد، وصلى الجمعة في جامع المنصور، وكانت الجمعة تقام في الجانب الغربي في الرصافة، ولم ينكر ذلك ولا غيره؛ فدل على جواز إقامة جمعتين في البلد الكبير.

قلنا: اختلف أصحابنا في جواب ذلك على أربعة أوجه:

أحدها- قاله أبو الطيب بن سلمة-: أن ذلك إما جاز فيها؛ لأنها ذات جانبين يفصل بين كل منهما النهر الذي لا يخوضه غير السابح؛ فكلُّ جانبٍ بلد بنفسه، والشافعي إنما منع إقامة جمعتين في البلد إذا كان ذا جانب واحدي، وهذا منه يقتضي أن البلد إذا كان ذا جانبين- كبغداد- يجوز إقامة جمعة في كل جانب، وقد صرح به عنه القاضي أبو الطيب، وأنه لا يجوز أن يقام ببغداد أكثر من جمعتين، قال القاضي أبو الطيب وغيره: وما ذكره ليس بشيء، بل هما كالبلد الواحد؛ بدليل أنا أجمعنا على أن من سافر من أحد الجانبين لا يقصر حتى يفارق الجانب الآخر، لكن في الرافعي أن ابن كج نقل أنه ألزم هذه المسألة، فقال بها، وقال: يجوز القصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>