وقوله:"فإن لم يفعل، صلى بهم ظهراً"، أراد به: إذا لم يرجعوا حتى ضاق الوقت، ولم يمكن فعل الجمعة فيما بقي منه، وهذه طريقة القفال- أيضاً- والأكثرين؛ كما قال الرافعي.
وقال في "الحاوي": إنها وإن كان لها وجه، فالأولى أظهر، وقد أخطأ في تخطئة المزني؛ لأن الربيع والبويطي والزعفراني هكذا نقلوا عن الشافعي: أنه قال: "أحببت"، ولم ينقل عنه أحد:"أوجبت"؛ فعلم أن المزني لم يخطئ في قوله، وإنما أخطأ أبو العباس في تأويله.
وذهب أبو إسحاق المروزي إلى أنّ الخطبة التي فعلها لا تبطل بطول الفصل، وأنّ إعادتها مستحبة له، ولكن عليه أن يصلي الجمعة، فإن صلاها ظهراً، أجزأه- كما قال الشافعي- قولاً واحداً؛ لأن للإمام إقامة الظهر مكان الجمعة، ولو ابتدأ الإمام هذا، فقد سقط الفرض قولاً واحداً، وليس هذا كمن صلى الظهر [في يوم الجمعة قبل صلاة الإمام الجمعة على أحد القولين؛ لأنه ترك الجمعة ليقيمها غيره، وصلى هو الظهر]، وها هنا ما يترك الجمعة ليقيمها غيره؛ فلهذا أجزأه.
وهذا الطريق لم يذكره [الماوردي]، وذكر عوضه طريقاً آخر بعد تصوير مسألة الخلاف فيما إذا كان انفضاضهم لعارض من فتنة أو غيرها: إن عادوا والعذر باقٍ خطب استحباباً، وإن زال العذر خطب واجباً. قال: وهذا لا وجه له؛ لأنّ ما لم يكن عذراً في سقوط الخطبة ابتداء، لم يكن عذراً في سقوطها انتهاء.
فإذا عرفت ذلك عرفت أنّ ابن سريج وأبا علي توافقا على أنّ الموالاة شرط، وهو الأصح، لكن ابن سريج يوجب استئناف الخطبة وعقد الجمعة، وأبو علي يستحبهما، وأن أبا إسحاق لا يشترط الموالاة، ويوجب عقد الجمعة؛ فصح ما قلناه: إن في وجوب عقد الجمعة والحالة هذه خلافاً، وهو وجهان: