قلت: لكن الشيخ اتبع فيه الشافعي؛ فإنه قاله هكذا، وهو الغالب.
قال: فإن لم يمكنه، انتظر حتى يزول الزحام؛ لأن ذلك نهاية قدرته واستطاعته، وقد قال- عليه السلام-: "إذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم".
وحكى الشيخ أبو محمد وراءه وجهين:
أحدهما: أنه يومئ بالسجود كالمريض.
والثاني: أنه يتخير بين الانتظار والإيماء.
قال الإمام: وهذه الوجوه كالوجوه في العاري يقعد ويومئ في وجه، ويقوم ويتم الأركان في آخر، ويتخير بينهما في الثالث. ولست أرى لما ذكره وجهاً، ولم يتعرض له أحد من أصحابنا؛ فإن الاقتصار على الإيماء خارج عن القانون، لا أصل له، وتشبيهه بالمريض ساقط؛ فإن هذا مما يندر ولا يدوم، وتمكن المصلي من السجود قائماً والاستئخار عن الإمام بأركان، أقرب من الاقتصار على الإيماء في ركن لا يتطرق إليه التحمل؛ فإذاً الوجه: القطع بما ذكره الشيخ وهو الانتظار، وقد رأيت الطرق متفقة على أن التخلف بعذر الزحمة لا يقطع حكم القدوة على الإطلاق.
قال الإمام: ولو صار إليه صائر من جهة أن الإتباع على شرط الوفاء بالقدوة عند الاختيار متعذر، وإذا تعذر تحقيق الاقتداء فعلاً، وأحوج الازدحام إلى التخلف بأركان- لم يكن بعيداً عن القياس، ولكن لم يصر إلى هذا أحد من الأصحاب، والمذهب نقل، وأنا لا أعتمد قط احتمالاً إلا إذا وجدت رمزاً أو تشبثاً لبعض النقلة.
نعم، قال الشيخ أبو بكر الصيدلاني: إن الزحام والحالة هذه عذر يجوز الانفراد، وقد حكاه القاضي الحسين عن النص حيث قال الشافعي: إن أمكنه أن يسجد على ظهر رجل فعل، فإن لم يفعل خرج من صلاة الإمام، وأتم لنفسه الصلاة.