فمعناه: من وجب عليه حضور الجمعة فرض عين، وجب عليه حضور العيد ندباً، وقد يطلق الوجوب على المندوب المتأكد؛ قال- عليه السلام-: "غسل يوم الجمعة واجبٌ"، ومعناه: وجوب اختيار.
وعلى هذا: إذا اتفق أهل بلد على تركها من غير عذر، هل يقاتلهم الإمام؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا؛ كما لا يقاتلون بترك الوتر، وركعتي الفجر.
والثاني: نعم، وينسب إلى أبي إسحاق، وهو المختار في "المرشد"؛ لأنها من شعائر الإسلام الظاهرة، وما كان كذلك لا يجوز تركه؛ فمن تركه وجب قتاله كما لو ترك بعض الواجبات؛ كذا قاله القاضي أبو الطيب.
وقال ابن الصباغ بعد حكايته: إن هذا عندي في التحقيق قول الإصطخري، ولاشك فيه.
نعم: غيره وجه ذلك بأن الاتفاق على ترك هذا الشعار يتضمن استخفافاً واستهانة بالدين، فقوتلوا؛ لما دل عليه الترك، لا على نفس الترك، وخالف ذلك ما ليس من الشعائر من التطوعات؛ فإنها تفعل فرادى؛ فلا يظهر في تركها استهانة بالدين.
ولا خلاف في [أن] الترك لو كان لعذر: كالمطر والوحل، أو الخوف، ونحو ذلك مما يجوز ترك الجمعة لأجله- فلا يقاتلون.
واعلم أن قول الشيخ:"فإن اتفق أهل بلد على تركها، [قاتلهم الإمام] "، لو جعل تفريعاً على مذهب الإصطخري والمذهب معاً، لم يبعد، والله أعلم.
والمخاطب بها- سنة، أو فرض كفاية- من يلزمه حضور الجمعة بلا خلاف. ومن لا يلزمه حضور الجمعة من النساء والعبيد والمسافرين والمعذورين، أطلق الماوردي فيه حكاية قولين:
أحدهما- نص عليه في القديم-: أنهم غير مأمورين بها.
والجديد- وهو الصحيح-: أنهم مأمورون بها؛ لعموم أمره- عليه السلام- ولذلك ارتاد لها مكاناً واسعاً؛ لأنه يحضرها من لا يحضر الجمعة.