للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{أَلَمْ نَجْعَلْ الأَرْضَ كِفَاتاً (٢٥) أَحْيَاءً وَأَمْوَاتاً} [المرسلات] وهو من "كفت": إذا جمع، أي: جامعة للأحياء بالمساكن، والأموات بالقبور.

وحكمته: أنه لو ترك لانهتكت حرمته بظهور تغير جثته وانتشار رائحته، وتأذي الناس بها، وتعرض لأن تأكله السباع، وإذا كان ذلك هو الذي شرع الدفن لأجله فهم منه أن الواجب منه ما يمنع ذلك، كما صرح به الأصحاب، وأما أكمله فقد ذكره الشيخ من بعد.

وهل أقارب الميت وغيرهم في الفرضية سواء أم لا؟ فيه ما تقدم في باب الغسل.

ثم هذا الذي ذكره الشيخ إذا كان الدفن ممكناً، فإن لم يكن [ممكناً] مثل أن مات في سفينة في البحر، ولم يقدر على دفنه، إما لخوف في البر أو لبعده- فقد قال الشافعي في "الأم": جعل بين لوحين، وربطا عليه؛ ليلفظه البحر إلى الساحل، فربما وقع إلى قوم فيدفنونه خير له من أن تأكله الحيتان، فإن رموه إلى البحر لم يأثموا، إن شاء الله. وقال المزني: إنما قال ذلك إذا كان حول البحر مسلمون، فإن كان أهل الجزائر كفاراً: ثقِّل وألقي في البحر حتى يتحصل في قراره؛ كي لا يقع لهم فيدفنوه إلى غير القبلة. وما قاله المزني هو المذكور في "المهذب" والرافعي، وقال ابن الصباغ: إن المزني نقله كذلك في "الجامع الكبير".

وقال الشيخ أبو حامد: هذا لا معنى له؛ لأن البحر لا يخلو أن يتصل جانبه ببلاد المسلمين، وإن لم يتصل جميعه، فربما وقع للمسلمين فدفنوه، وهو إذا ثقل يكون إلى غير القبلة اتصالاً [إذ] لا يستقر في البحر إلى جهة، وهذا ما اختاره في "المرشد"، وجرى عليه الماوردي والبندنيجي، [وأبو الطيب وقال: الذي ذكره المزني في "جامعه" ما ذكره الشافعي في "الأم"، لا غيره، والله أعلم].

وقد أفهم قول الشيخ: "ثم يدفن" بعد قوله: "ويستحب أن يسرع بالجنازة، وأن

<<  <  ج: ص:  >  >>