الماوردي: فقال بعد ذكره استحباب التعزية ثلاثة أيام: إن من تبع الجنازة وأراد الانصراف قبل الدفن عزى وانصرف، ومن صبر حتى يدفن عزى بعد الفراغ من دفنه، إلا أن يرى من أهله جزعاً شديداً وقلة صبر؛ فيقدم تعزيتهم ليثبتوا، وما ذكره- غير الاستثناء- هو المنصوص؛ فإن الإمام قال: إن الشافعي ذكر أن من شهد الجنازة ينبغي أن يؤخر التعزية إلى ما بعد الدفن؛ لأنهم لا يتفرغون إلى الإصغاء إليها وهم مدفوعون إلى تجهيز الميت.
وقد صرح الشيخ بانتهاء الاستحباب بانتهاء الثلاث؛ لأن الجزع يقل بعدها، وفي التعزية تذكار به، ولكن هل فعلها وتركها سيان، أو الترك أولى؟ لم يتعرض له الشيخ، وفيه وجهان:
أحدهما- قاله صاحب "التلخيص" وبعض الأصحاب، كما قال الإمام-: أنه لا بأس بها وإن طال الزمان؛ إذ لم يثبت فيها توقيف، وهذا ما اختاره في "المرشد" حيث قال: لو عزَّى بعد الثلاث جاز.
وأظهرهما- وهو الذي أورده في "الوسيط"-: أنها غير مأثورة؛ لما ذكرناه، وهو ما ذكره القاضي الحسين وقال: إنه قيل: التعزية بعد الثلاث عادة النوكى.