وقيل: إن العذاب المشار إليه حزنه بسماع بكائهم عليه؛ فإنه يرقُّ عليهم، ويسوءه إتيانهم بما يكره ربُّه، وقد روي أن ابن عباس وابن عمر اجتمعا على باب حجرة مات فيها بعض آل عمر، والنساء يبكين، فقال ابن عباس لابن عمر: هلا نهيتهن عن ذلك وقد سمعت أباك عمر يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ الميِّت ليعذَّب ببكاء أهله عليه"؟ فقالت عائشة: يرحم الله عمر! ولكن قال: "إن الله يزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه"، ثم قالت: حسبكم القرآن: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[الأنعام: ١٦٤] فقال ابن عباس تصديقاً لها: "الله أضحك وأبكى"، يعني: لا ذنب للميت في أن يبكي عليه أهله.
قال القاضي الحسين وغيره: ومعلوم أن في هذه الرواية ما في رواية عمر؛ لأنه كما لا يعذب المؤمن ببكاء غيره فلا يزاد في عذاب الكافر بذنب غيره؛ فلابد من تأويل، ويعود ما ذكرناه من قبل، والذي أشار إليه الشافعي: الأول؛ لأنه قال: وما زيد من عذاب الكافر فبسيئاته، لا بذنب غيره.
وقال الإمام وغيره: إن الرواية الصحيحة عن عائشة أنها قالت: رحم الله عمر! ما كذب، ولكن أخطأ ونسي؛ إنما مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على يهودية ماتت ابنتها وهي تبكي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنهم يبكون، وإنَّها تعذَّب"، وهذه الرواية لا تحوج إلى تأويل أصلاً؛ إذ ليس فيها إبداء تعذيب بسبب بكائهم، وقد نسب في "الوسيط" ما ذكرناه عن عائشة أولاً إلى قول ابن عمر، وإليها ما ذكرناه ثانياً.