قلت: ولا يمكن جريانهما في الثمرة المقطوعة خوفاً من العطش؛ لأن ذلك لا يجوز بيع بعضه ببعض بلا خلاف؛ لأنه له حالة كمال، ومن هنا يظهر لك أن قول من قال: الحكم في المسألتين اللتين اشتمل عليهما الفصل واحد- كما تقدم- غير مجرى على إطلاقه.
وقد حكى عن أبي إسحاق وابن أبي هريرة أنهما قالا: لا يجوز دفعهما بالكيل والوزن في المسألتين، وإن قلنا: إن القسمة بيع؛ لأن المغلب على هذا الاستيفاء لا المعاوضة؛ ولهذا يجوز أن يعطي الساعي من الثمرة أكثر مما يجب عليه.
ووجهه صاحب "التقريب": بأن الربا يتعلق بالبياعات المحققة، وهذا وإغن كان بيعاً فهو تصرف من الإمام لأقوام غير معينين فلا تعتبر فيه مضايق الربا.
والذي صححه القاضي أبو الطيب وغيره: المنع، قال: وما قاله أبو إسحاق يبطل بما إذا أراد إخراجها على رؤوس النخل خرصاً، فإنه لا يجوز عنده حذارا مما ذكرناه، ولا يقال: إنه إنما منع [ذلك] لأنه لا يتحقق استيفاء الحق بالخرص، وما هنا قد يتحقق بالكيل والوزن؛ لأنه ممن أجاز ذلك على قولنا: إن القسمة إفراز نصيب، وأيضاً: فهو مانع من ذلك وإن تحقق أخذ الحق؛ كما إذا أسلم رب المال ما على رؤوس الشجر ما يعلم أنه أكثر من الحق.
ثم هذا كله تفريع على الجديد في أن الفقراء قد ملكوا قدراً من المال قدر الفرض، أما إذا قلنا بخلافه فلا مانع من أخذه كيلا ووزناً وعلى رؤوس النخل أشار إلى ذلك تعليل الأصحاب، وعليه نبه الإمام.
واعلم أن العراقيين قالوا: لا يجوز لرب المال في حال الخوف على الأشجار من العطش أن ينفرد بالقطع دون حضور الساعي؛ لأنه نائب عن شركائه، فإن قطع بغير حضرته عزر إن كان عالماً بالتحريم، وعن الصيدلاني وصاحب "التهذيب" وطائفة: أنه يستحب لرب المال استئذان الساعي إن أراد القطع، قال الرافعي: وقضيته جواز الاستقلال به. ويجوز أن يكون هذا الخلاف مبنياً على