للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في يده وكانت من ذوات القيم ضمنها بالقيمة، وهنا يضمنها بالمثل الصوري، وإن قلنا: إن الزكاة تتعلق بالعين تلعق شركة؛ لأنه لو فعل ذلك مع بقاء المال لأجزأه فتعيَن عند عدمه، وقد قدمت حكاية ذلك عن الأصحاب في أواخر باب زكاة النبات. نعم، لو تلف النصاب بعد التمكن وعسر الوصول إلى الشاة، ومسَّت حاجة المساكين – قال الإمام قبل باب ما يسقط الزكاة عن الماشية: فالظاهر عندي أنه يخرج القيمة للضرورة. ولعل هذا يناظر ما لو أتلف الرجل مثليًّا وألزم المثل، ثم أعوزه، وتوجهت المطالبة – فالرجوع إلى القيمة، فلو وجد المثل بعد أخذ القيمة فهل يجب المثل وتسترد القيمة؟ [فيه خلاف، وقد يتجه مثله في الزكاة، والأشبه فيها أخذ القيمة] وانقطاع الطلابة بالكلية، وهذا فيما إذا كانت الشاة من جنس الأصل، فلو كانت عن الإبل فقد تقدم حكمها.

قال: وإن منعها جاحداً لوجوبها – أي: وهو قديم العهد بالإسلام، ناشئٌ بين المسلمين – كفر، وأخذت منه، [وقتل بكفره]:

أما الحكم بكفره وقتله به فوجهه: أن الزكاة مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بها؛ فمن جحدها فقد كذبه فيما جاء به، ومن كذبه كفر، ويجب قتاله وقتله.

قال القاضي أبو الطيب: فإن قيل: هذا مخالف لمذهب الشافعي – رحمه الله – لأن عنده أن مانعي الزكاة على عهد أبي بكر – رضي الله عنه – لم يكونوا كفاراً؛ لأنهم قالوا: ما كفرنا بعد إيماننا، لكنا شححنا على أموالنا، وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ زكاتنا، وأما أبو بكر فلا حق له فيها؛ فهلا أوجب الشافعي – رحمه الله – قتال جاحديها، ولم يحكم بكفرهم كهؤلاء.

قلنا: إنما لم يحكم بكفرهم؛ لأن الإجماع لم يكن استقر على وجوب الزكاة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا يظنون أن وجوبها متعلق بدفعها إليه – صلوات الله عليه – خاصة، فلما استقر إجماع الصحابة ومن بعدهم على وجوبها كفر جاحدوها؛ ألا ترى أن عمرو بن معد يكرب وقدامة بن مظعون كانا يعتقدان إباحة الخمر [بعد تحريمها، ويتأولان قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا

<<  <  ج: ص:  >  >>