قال الماوردي: وفي قوله – عليه السلام -:"عن ظهر غنّى" تأويلان:
أحدهما: بعد استغناء نفسه عن تتبع ما يخرجه عن يده.
والثاني: بعد استغنائه عن [أداء] الواجبات.
قال القاضي الحسين: معناه: وراء الغنى، يعنيك ما فضل عن حاجته، وقيل: إن المصدق لا ينتظر من المصدق عليه المكافأة.
أما من يصبر على الإضافة فيستحب له ذلك؛ لما روى أبو داود عن أبي هريرة أنه قال: يا رسول الله، أي الصدقة أفضل؟ قال:"جُهْدُ المُقِلِّ وابْدَا بِمَنْ تَعُولُ"، وعن مر بن الخطاب قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق، فوافق ذلك ما لا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ["ما أبقيت لأهلك؟ "]، [قلت: مثله]، قال: وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما أبقيت لأهلك؟ "، قال: أبقيت لهم الله ورسوله، قلت: لا أسابقك إلى شيء أبداً. وأخرجه الترمذي وقال: صحيح.
وجه الدلالة من ذلك: أنه لما علم أن أبا بكر – رضي الله عنه - ممن يصبر على الإضافة ولا يتضجر، قبل ذلك منه.
قال القاضي الحسين: وهذا الفعل كان منهما حين نزل قوله تعالى: {وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً}[المزمل: ٢٠].
وقد روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه دخل على بلال، فوجد عنده كسرة خبز على رأس كوز، فقال:"ما هذا يا بلال؟ " فقال: هذا فضل عن فطري البارحة، فأعددته لأفطر به الليلة،