قلت: والأولى عندي في ذلك الجمع بين النقلين بالتنزيل على حالين:
فما قاله الشيخ وغيره محمول على كفايته وكفاية من تلزمه كفايته في الحالة الراهنة، وقضاء الدين الذي تعين وفاؤه على الفور إما بطلب رب الدين أو بدونه، كما نبهنا على ذلك في أول باب التفليس.
وما قاله الماوردي وغيره محمول على كفاية الأبد – وكلام بعضهم يرشد إليه – والدين الذي لم يجب أداؤه على الفور.
ثم إذا قلنا بالتحريم فهل يملكه المتصدق عليه؟ ينبغي أن يكون فيه خلاف كالخلاف فيما إذا وهب الشخص ما معه من الماء بعد دخول الوقت، ومثل هذا جارٍ في تصدقه بجميع ماله تطوعاً بعد وجوب الزكاة وتمكنه من أدائها والله أعلم.
قال: وتكره، أي: الصدقة بالفاضل عن الكفاية في الحال لمن لا يصبر على الإضافة؛ لما روى أبو داود عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال:"كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل بمثل بيضة من ذهب، فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أتاه قبل ركنه الأيمن، فقال مثل ذلك؛ فأعرض عنه، ثم أتاه من قبل ركنه الأيسر؛ فأعرض عنه، ثم أتاه من خلفه، فأخذها رسول الله فحذفه بها، فلو أصابته لأوجعته أو لعقرته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأتي أحدكم بما يملك فيقول: هذه صدقةٌ، ثمَّ يقعد يستكُّف النَّاس، خير الصَّدقة ما كان عن ظهر غنى"، [وفي رواية]: "خذ [عنَّا] مالك لا حاجة لنا به"، فلما فهم – عليه السلام – منه أنه لا يصبر على الإضافة لم يقبلها