وقد كان الاعتكاف في شرع من قبلنا، قال الله تعالى لإبراهيم – عليه السلام -: {أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}[البقرة: ١٢٥].
قال: ولا يجب إلا بالنذر. [أفاد هذا الكلام أمرين:
أحدهما: أنه لا يجب بغير النذر]، ودليله قصة الأعرابي المشهورة في قوله: هل عليَّ غيرها؟ وما رواه مسلم في أثناء حديث أبي سعيد الخدري المذكور في كتاب الصيام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف" فعلقه بالمحبة.
ولأن العبادات الواجبة قد قرر لها الشرع أسباباً راتبة كالصلاة، أو عارضة كالزكاة، وليس للاعتكاف سبب راتب ولا عارض؛ فعلم أنه غير واجب.
والثاني: وجوبه بالنذر؛ لأنه قربة وطاعة لما ذكرناه وقد أجمع المسلمون على ذلك ما قاله أبو الطيب، وإذا كان قربة وطاعة اندرج تحت قوله – عليه السلام -:"من نذر أن يطيع الله فليطعه".
فإن قيل: قد قال الشيخ: إنه سنة فأي فائدة لقوله: "لا يجب إلا بالنذر".
قلنا: قد ذكرنا أن مراده بالسنة: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تنقسم إلى الواجب والمندوب، فبين بقوله:"ولا يجب إلا بالنذر" أنه من القسم الثاني.
ثم على تقدير أنه أراد بالسنة ضد الواجب، ففائدته تعريفك أنه ليس من شرط ما يلزم بالنذر من القرب أن يكون له أصل واجب في الشرع: كالصلاة، ونحوها؛ كما صار إليه بعض أصحابنا، كما ستعرفه في باب النذر، مع أنهم اتفقوا على لزوم الاعتكاف بالنذر؛ لأن من قال [من أصحابنا]: لا يلزم بالنذر إلا ما له أصل واجب في الشرع، قال: الاعتكاف لبث بمكان مخصوص، وكان أصله الوقوف بعرفة.
وقد يكون من فوائد قوله:"ولا يجب إلا بالنذر"، الرد على من قال من أصحابنا؛: إنه إذا قال ابتداء: لله عليَّ أن أعتكف كذا، ولم يعلقه على شيء أنه يلزمه بلا خلاف بخلاف غيره من السنن؛ حيث جرى في لزومها في مثل هذه الصورة الخلاف؛ بناء