المعنى في إيجاب الدم عليه ما تقدم، وبإحرامه بالحج من الميقات لم يحصل له ذلك، فلم يجب عليه، والمراد بالميقات: الميقات الذي أحرم منه بالعمرة، ويقوم مقام عوده إليه عوده إلى ميقات مثله، أو أبعد منه، ولو عاد إلى ميقات أقرب منه إلى مكة، ففي وجوب الدم عليه وجهان، اختيار القفال والمعتبرين: لا.
وفي "الإبانة" و"العدة": أنه إذا سافر بعد عمرته سفراً يقصر فيه الصلاة، ثم حج من سنته - لا دم عليه.
ومما ذكرناه يظهر لك: أنه إذا فرغ من العمرة، ثم زار قبره - عليه السلام - وأحرم بالحج من ذي الحليفة، لا يجب عليه الدم اتفاقاً.
قال: وألا يكون من حاضري المسجد الحرام؛ لقوله تعالى:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ} إلى قوله: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}[البقرة: ١٩٦]، أي: ما ذكر من وجوب الهدي والصوم عند عدمه، على من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام؛ كما قال تعالى:{وَإِنْ أَسَاتُمْ فَلَهَا}، [الإسراء: ٧]، أي: فعليها، وقال تعالى:{أولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}[الرعد: ٢٥]، وأراد به: فعليهم اللعنة وعليهم سوء الدار.
وإذا كان ما ذكرناه مفروضاً في حق من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام، ففي حاضريه [على الأصل، وهو عدم الوجوب،] والمعني فيه: أن الحاضر بمكة - شرفها الله تعالى - ميقاته للحج نفس مكة؛ فلا يكون رابحاً ميقاتاً، ومن كان بينه وبين الحرم دون مسافة القصر، لم يترفه ترفها له تأثير بإحرامه إلحج من مكة، لأن رجوعه إلى قريته لا مشقة عليه فيه، فلذلك لم يلزمه الدم بخلاف الغريب؛ فإن ترفهه له تأثير؛ لأن في رجوعه إلى الميقات مشقة عليه.
قال الإمام: وقد يرد على من يعتمد ملك المعنى سؤال، فيقال له: من كان مسكنه دون ميقات، وكان من حاضري المسجد الحرام - كما سنذكره - فلو قصد مكة ناوياً نسكاً، وجاوز مسكنه وقريته غير محرم، فهو مسيء يلزمه دم الإماءة وفاقاً، ولو لم تكن المسافة محتفلاً بها، لقيل: هو من أهل مكة؛ فلا يلزمه شيء إذا أحرم من