ولأنه لو كان الرجوع إلى الأهل والوطن شرطاً في جواز هذا الصوم، لوجب إذا نوى المقام بمكة ألا يجزئه [الصيام بها]، وفي إجماعهم على جواز صيامه فيها إذا نوى المقام بها دليل على أن الرجوع [إلى الأهل] ليس بشرط؛ وهذا ما فسر به البغداديون قول الشافعي في "الإملاء": "إنه يصومها إذا رجع من حجه بعد كمال مناسكه".
وعلى [حكايته هكذا] جرى القاضي أبو الطيب والحسين والإمام.
وصار البصريون إلى أن ما حكيناه عن نصه في "الإملاء" المراد به: الأخذ في الخروج من مكة راجعاً إلى بلده؛ لأن ابتداء الرجوع هو ابتداء السير، وعلى حكاية هذا جرى الشيخ أبو حامد والبندنيجي والمصنف في "المهذب"، وبه يحصل في المسألة ثلاثة أقوال.
وحكى الإمام عن بعض التصانيف قولاً آخر: أن المراد: الرجوع إلى مكة، وأن هذا لا أصل له في مذهب الشافعي، وإنما هو قول بعض السلف.
قلت: وكأنه يشير إلى "الإبانة"؛ لأن ذلك عادته في إسناد الفل إليها، لكن المذكور في "الإبانة" في التعبير عن هذا القول: أن له أن يصوم بعد الرجوع إلى مكة حتى يفرغ من الحج؛ لأنه لما قال:{فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ}[البقرة: ١٩٦] فالظاهرة من هذا الرجوع هو الرجوع بعد الفرع؛ كما يقال: إذا رجعت من أمر كذا، فافعل كذا؛ فظاهره: إذا فرغ منه. وإذا كان كذلك؛ فهو كقول البغداديين، لا غيره، والله أعلم.
التفريع:
إن قلنا بالقول الصحيح، قال الماوردي: فينبغي أن يصومها عقيب رجوعه، فإن آخر صيامها كان مسيئاً، وأجزأه، وإن صامها قبل وصوله إلى الوطن، لم يجزئه لما تقدم أن تقديم العبادة البدنية على وقتها لا يصح، وهذا ما قطع به العراقيون.
وحكى القاضي الحسين عن صاحب "التقريب" أنه إذا صامها في الطريق،