فيحمل قوله:"وإن أكل منه"[على ما إذا أكل منه] بعدما قتله، وانصرف عنه؛ كما قال ابن الصباغ، أو على ما إذا أطعمه مرسله منه؛ كما قاله أبو الطيب.
وعلى تقدير إجرائه على ظاهره، فالأخذ بحديث عدي أولى؛ لأنه أحوط، وناقل عن الأصل؛ فإن الأصل في الأشياء الإباحة.
وقد قيل: إن كان الجارحة بازاً ونحوه، حل قولاً واحداً؛ قاله المزني كأبي حنيفة، وفرق بأن البازي يعلم الصيد بالأكل منه، فأكله لا يخرجه عن أن يكون معلماً، بخلاف الكلب، لأنه يعلم الصيد بالضرب على ترك الأكل، فإذا أكل منه، علم أنه غير معلم؛ فحرم صيده.
قال القاضي أبو الطيب وغيره: وهذا فاسد؛ للخبر، وأما ما ذكره من الفرق، فقد قال الأصحاب: لو كان كذلك لوجب إذا اصطاد ولم يأكل منه ألا يحل أكله؛ كما أن الكلب لما كان معلماً بترك الأكل إذا اصطاد وأكل حرم أكله، وقد أجمعنا على أن البازي يحل صيده إذا لم يأكل منه؛ فدلَّ على أنه لا يعلم بالأكل.
قال الشافعي- رضي الله عنه-: ولأنهما في الابتداء استويا، فلا يؤكل صيد البازي حتى يأخذ فيحفظ فكذلك في الدوام.
وقيل: إن قلنا: إن الكلب إذا أكل لا تحرم فريسته، [فالبازي أولى] وإلا فوجهان، وهذه طريقة أبي علي في "الإفصاح"، وهي مخالفة للنص في التسوية ورد الفرق.
وقيل: إن قلنا: إن البازي لا يضر الأكل في تعليمه، فالأكل بعد التعليم لا يحرم بحال، وإن قلنا: يضر الأكل في البازي في الابتداء، ففيه قولان كما في الكلب؛ وهذه طريقة القفال.
ولا خلاف عند الماوردي والقاضي الحسين والعراقيين في أنه إذا شرب من دم الصيد، لا يحرم، ولا يكره، وأشار الإمام إلى وجه في التحريم بقوله: لا يحرم على الأصح.