قال: وإن أكل الجارحة، أي: المعلمة من كلب أو بازي من الصيد، أي: عقيب قتله، ففيه، أي: في ذلك الصيد قولان:
وجه الحل قوله تعالى:{فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}[المائدة: ٤] والباقي بعد أكله قد أمسكه علينا؛ فحل لظاهر الآية.
وروى أبو داود عن أبي ثعلبة [الخشني] قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صيد الكلب:"إذا أرسلت كلبك، وذكرت اسم الله، فكل وإن أكل منه وكل ما ردت عليك يداك".
قال الشافعي- رضي الله عنه- في "المبسوط": والقياس يدل عليه؛ لأن الكلب إذا عقر الصيد، [وقتله] فقد حصلت الذكاة، فأكله منه بعد حصول ذكاته لا يمنع من أكله؛ كما إذا ذكى المسلم صيداً، ثم أكل منه الكلب.
وهذا ما نص عليه في القديم، وأومأ إليه في [الجديد] بالقياس المذكور.
ووجه التحريم ما روي عن عدي بن حاتم قال: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: إنا نصيد بهذه الكلاب؟ فقال:"إذا أرسلت كلابك المعلمة، وذكرت اسم الله عليها، فكل مما أمسكن عليك وإن قتل إلا أن يأكل الكلب، فإن أكل فلا تأكل؛ فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه" أخرجه البخاري ومسلم.
ولأن من جملة شرائط التعليم عدم الأكل، فإذا أكل فإما أن يتبين أنه لم يكن معلماً، أو يبين أنه كان معلماً، ولكنه نسي التعليم، وأيهما كان فإنه يحرم أكله، وهذا ما نص عليه في "المختصر" وبه قال أكثر أهل العلم، وهو الأصح في "التهذيب" و"البحر" و"الرافعي" وغيره.
والجواب عن الآية السالفة: أن الحديث دل على أنه إذا أكل، فقد أمسك لنفسه.
وعن الحديث: أن في رجاله داود بن عمرو الأودي عامل "واسط"، وقد تكلم فيه.
ثم على تقدير كون روايته لا بأس بها-[كما] قال أبو زرعة وابن عدي-