للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كدود الخل، والجبن، ونحوه، فهل يحل أكله؟ الذي أورده الماوردي والروياني هنا: المنع، وحكى الرافعي وجهاً آخر: أنه يحل، وحكى الإمام في كتاب الطهارة الحل عند اتصاله بما تولد منه، وحكى وجهين فيما إذا جمعه وأكله منفرداً، هل يحل أم لا؟ والصحيح المنع، وبهذا يحصل في المسألة ثلاثة أوجه.

تنبيه: احترز الشيخ بقوله: "العرب"، عما يستخبثه العجم؛ فإنه لا اعتبار بذلك؛ لأن الله- سبحانه وتعالى- لما أناط الحل بالطيبات والتحريم بالخبائث، عُلِمَ بالعقل: أنه لم يرد ما يستطيبه ويستخبثه كل العالم؛ لاستحالة اجتماعهم على ذلك عادة؛ لاختلاف طبائعهم، وتفاوت شهواتهم؛ فتعين أن يكون المراد: ما يستطيبه ويستخبثه بعضهم، وكان العرب بذلك أولى؛ لأن القرآن بلغتهم نزل، وهم المخاطبون به؛ وعلى هذا فطبائع العرب- أيضاً- مختلفة؛ لاختلاف الأزمنة والأمكنة في الشدة والرخاء؛ فلا يمكن إناطة الحكم في الحل والتحريم باستطابة جميعهم [الشيء واستخباثه] بل المرجع في ذلك إلى من كان في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ كما قاله القاضي الحسين وجماعة، كما قاله الرافعي، وأبدى لنفسه احتمالاً في عدم اختصاصهم بذلك، وأنه يرجع في كل زمان إلى العرب الموجودين فيه، وقوَّاه بحكايةٍ رواها عن أبي عاصم العبادي عن الأستاذ أبي طاهر الزيادي عن أبي الحسن الماسرجسي.

وعلى كل حال فيشترط فيمن يرجع إليهم [في ذلك] أن يكونوا متصفين وراء ما ذكرناه بصفات:

إحداها: أن يكونوا قريبين من البلاد والأرياف؛ كما قال القاضي أبو الطيب وغيره، دون المقيمين في المواضع المنقطعة وأهل البادية؛ لأن أولئك يأكلون كل ما وجدوا، حتى روي أن بعضهم سأل أعرابياً فقال: ما تأكلون؟ قالوا: نأكل كل ما دبَّ ودرج إلا أم حبين، فقال الرجل: لِيَهْنِ أمَّ حبينٍ العافيةُ.

الثانية: أن يكونوا ذوي طباعٍ سليمة.

الثالثة: أن تكون الاستطابة في حال الرفاهية؛ حتى يأكلوا ذلك عادة، دون حالة القحط.

الرابعة: أن تكون الاستطابة والاستخباث من الأكثر؛ لأن من الأشياء ما أباحها

<<  <  ج: ص:  >  >>