قال: أكل طعام الغير، وضمن بدله؛ لأنه قادر على أكل الطعام الطاهر بعوض مثله؛ فوجب عليه أكله، ولم يجز له العدول إلى أكل الميتة؛ كما لو كان حاضراً وبذل له بعوض مثله؛ فإنه يجب عليه ذلك قولاً واحداً كما سنذكره، ولا فرق على هذا بين أن يكون قادراً على البدل أو عاجزاً عنه؛ لأن الذمم تقوم مقام الأعيان، لكن ما الذي يأكله؟ فيه ثلاث طرق حكاها البغوي وغيره من المراوزة.
إحداها- وهي التي أوردها القاضي أبو الطيب والماوردي والبندنيجي وغيرهم من العراقيين-: أنه على القولين فيما يأكله من الميتة.
والثانية: القطع بأنه يأكل قدر الشبع؛ لأن جنس الطعام حلال بخلاف الميتة، وهذان الطريقان لم يورد القاضي الحسين سواهما.
والثالثة: القطع بأنه لا يزيد على سد الرمق؛ لأن حق الآدمي أضيق من حق الله تعالى؛ فيقتصر فيه على ما يدفع الضرورة؛ وهذا ما أورده الفوراني مع الأول.
وقيل: يأكل الميتة؛ لأن إباحة الميتة بالنص، وإباحة هذا [الأخذ] بالاجتهاد، والنص أقوى من الاجتهاد؛ فوجب اتباعه.
ولأن ذلك حق الله تعالى، وهذا حق آدمي، وحقوق الله تعالى تدخلها المسامحة دون حقوق الآدميين؛ وهذا ما صححه النواوي؛ تبعاً للرافعي والروياني، ونقله القاضي الحسين عن النص.
وحكى عن بعضهم القطع به؛ وعلى هذا يظهر أن يقال: لو كان المالك حاضراً، لم يجب عليه بذل الطعام، وإلا لما كانت الغيبة عذراً في الترك كالديون.
وقد حكى البغوي وغيره من المراوزة في المسألة قولاً- أو وجهاً- ثالثاً: أنه يتخير؛ بناء على الأقوال الثلاثة في تعارض حق الله تعالى وحق الآدمي.
وقد ألحق القاضي أبو الطيب بصورة الكتاب ما إذا كان مالك الطعام حاضراً غير مضطر إليه، والمضطر قادر على مقاومته وقلعه منه، وأجرى الخلاف فيها.
وأطلق الماوردي والقاضي الحسين القول بأن صاحب الطعام إذا كان حاضراً ممتنعاً من البذل أنه يأكل الميتة، وهو ما حكاه في "البحر" عن النص في "ذبائح بني إسرائيل"؛ فإنه قال فيه: "وليس بحلال له أن يكاثر رجلاً على طعامه وشرابه، وهو