يجد ما يغنيه عنه من شراب فيه ميتة، أو ميتة، ولا تناقض بين النقلين، بل ما قاله الماوردي ودَلَّ عليه ظاهر النص محمول على ما إذا كان الأخذ لا يتأتى إلا بالقتال، أو كان المضطر غير قادر على مقاومة صاحب الطعام، وما قاله القاضي أبو الطيب محمول على ما إذا تأتى أخذه بدون قتال؛ لضعفه، وقد صرح البندنيجي بذلك، وبه يحصل لمسألة الكتاب صورتان.
ولو كان صاحب الطعام باذلاً له؛ إما تبرعاً أو بثمن مثله، وجب عليه قبوله قولاً واحداً؛ كما قاله البغوي وغيره؛ قياساً على ما لو كان عنده طعام؛ فإنه يلزمه أكله، ويمسك به رمقه، فإن لم يفعل ذلك، كان كمن قتل نفسه.
قال أبو الطيب: ويفارق هذا الميتة؛ حيث قلنا على قول أبي إسحاق: إن له أن يمتنع من أكلها؛ لأن له غرضاً في ذلك، وهو التنزه عن النجاسة، ولا غرض له هاهنا.
وأشار ابن التلمساني في شرح هذا الكتاب إلى جريان قول أبي إسحاق هنا أيضاً بقوله: "ولا يعصي المضطر بتركه على الأصح".
ولا فرق على الأصح بين أن يكون المضطر قادراً على ثمن المثل أو غير قادر عليه، إما مطلقاً أو في موضعه، ورضي الباذل بذمته؛ حتى قال البغوي: لو كان معه إزار واحد لا يأمن من نزعه الهلاك بسبب البرد، وجب عليه صرفه إلى الطعامن ويصلي عرياناً؛ لأن كشف العورة أخف من أكل الميتة، بدليل أنه لا يجوز أن يكابر الغير على أخذ الثوب؛ ليستر العورة، ويجوز أن يكابره على أخذ الطعام؛ وهذا إذا كان الطعام المبذول لا تنشأ منه زيادة مرض بالمضطر؛ ولا يتوهم من الباذل أنه سمة له، فلو وجد أحد الأمرين، لم يجب القبول؛ صرح به الشافعي.
ولو لم يجد المضطر إلا طعام الغير، نظر: فإن كان مالكه غائباً، جاز له الأكل منه، وهل يعصي بالترك؟ فيه وجهان في"التهذيب"، وإذا أكل ضمن البدل كما تقدم.
[و] في "الحاوي" وجه: أنه لا يضمن البدل؛ لأنه أخذ بالضرورة؛ كاستباحة الشيء الذي لا يضمن من الميتة، وهو فاسد؛ لأن الميتة لا قيمة لها، ولا مالك؛ بخلاف الطعام.
وإن كان حاضراً وهو غير مضطر إليه، قال الماوردي: فلا يباح له الأكل دون