إن في وجوب شرب الماء النجس والبول للعطش قولين؛ كما في وجوب أكل الميتة؛ وذلك في الخمر من طريق الأولى.
وقيل: لا يجوز: أما التداوي؛ فلقوله - صلى الله عليه وسلم - وقد سئل عن التداوي بالخمر فقال- "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم".
وقد خرج مسلم عن وائل بن حجر: أن طارق بن سويد سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -[عن الخمر فنهاه، ثم سأله فنهاه، فقال له: يا نبي الله إنها دواء، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا ولكنها داء".
وأما في العطش؛ فلأنها لا تدفعه، بل تزيده عطشاً عظيماً وإن فرض تسكينه في الحال؛ وقد يستدل للصورتين بعموم قوله تعالى:{فَاجْتَنِبُوهُ}[المائدة: ٩٠]، وبأن استعمال قليلها يدعو إلى استعمال كثيرها، ولا يؤمن أن يتولد منها ما هو أضر؛ وبهذا خالفت البول والماء النجس؛ وهذا ما حكاه البندنيجي وابن الصباغ هنا، وفي كتاب الحدود عن النص، وأنه وجهه بأنها تزيد الجائع جوعاً، والعطشان عطشاً، ولا دواء فيها؛ [فإن النبي - صلى الله عليه وسلم -] قال: "الخمر داء وليس بدواء"، وقد اختاره ابن أبي هريرة، وهو الأظهر عند الشيخ أبي حامد والمحاملي وابن كج وغيرهم؛ وعلى ذلك جرى النواوي.
وعن "تعليق" الشيخ إبراهيم المروروزي حكاية مثله وجهاً في إساغة اللقمة [أيضاً، وإليه أشار في "الكافي" بقوله: "يجوز إساغة اللقمة] بها على الأصح".
وقيل: يجوز للتداوي؛ لأن النفع بها متوقع، والحديث محمول على أنه علم أن الشفاء لا يحصل بها؛ كما قاله الغزالي في كتاب الطهارة، أو معناه: ما فيه شفاؤكم فما حرم عليكم؛ كما تقدم.