ولأنا نتأوله ونقول: أراد بالخبيث: الدناءة، فإنه كسب دنيء؛ وهذا كقوله تعالى:{وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ}[البقرة: ٢٦٧][و] أراد [به] الدون الرديء {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ}[البقرة: ٢٦٧].
فإن قلت: قول على وابن عباس حكاية حال، لم يعينا فيها من حجمه - صلى الله عليه وسلم - وأنس عينه؛ فيجوز أن يكون واحداً؛ وهو أبو طيبة، وإذا كان كذلك، فهو رقيق، والخصم وهو كما قال الإمام أحمد وغيره من أصحاب الحديث وأهل الظاهر- موافق على حل كسب الحجام للرقيق دون الحر؛ فلا حجة لكم فيما ذكرتم؛ لأن وقائع الأحوال إذا تطرق إليها الاحتمال، سقط بها الاستدلال.
قلت: يظهر أنه لأجل ذلك قال ابن خزيمة من أصحابنا بمثل مذهب الخصم؛ كما حكاه الموفق بن طاهر.
وجوابه على المنصوص الصحيح في المذهب ما قاله الماوردي: أنه لم يزل على هذا في عصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه إلى وقتنا في سائر الأمصار يكتسبون بهذا، ولا ينكره منكر؛ فدل على انعقاد الإجماع به وارتفاع الخلاف فيه.
وقد روي عن ابن عباس أنه سئل عن كسب حجام له ماذا يصنع به؟ فقال: آكله.
ولأنه كسب يحل للعبد؛ فحل للحر؛ كسائر المكاسب.
قال: والأولى أن يتنزه الحر عن أكله، أي: سواء اكتسبه حر أو عبد؛ كما قاله البنددنيجي وغيره؛ لما روى أبو داود عن ابن محيصة عن أبيه أنه استأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أجرة الحجام؛ فنهاه [عنها] فلم [يزل] يسأله ويستأذنه حتى أمره أن