للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لهم، ولأن العبد دنيء فلا يشينه تعاطي ذلك؛ قال- عليه السلام-: "يسعى بذمتهم أدناهم"، أي: عبيدهم؛ وهذا هو المذهب، ولم يذكر القاضي الحسين والبندنيجي سواه.

وقيل: يكره للعبد أيضاً، حكاه الماوردي، ونسبه إلى الأكثرين.

ومن قال به قال: المراد بـ"أدناهم" في الحديث الأدنى إلى دار الحرب.

ويكره-: أيضاً- كسب الصاغة؛ لأنهم قلما يحترزون عن الربا، وقد نسب في "البحر" هذا إلى بعض المراوزة، وهذا حكم خبيث الكسب مع عدم التحريم.

وأما خبيثه مع التحريم وطيبه فلنقتصر فيه على ما ذكره الماوردي؛ فإنه أحسن الترتيب فيه، فقال: أصول المكاسب المألوفة ثلاثة: زراعة، وتجارة، وصناعة؛ فينبيغ للمكتسب بها أن يختار لنفسه أطيبها: لقوله- تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة: ٢٦٧] واختلف الناس في أطيبها.

فقال قوم: الزراعات، وهي عندي أشبه؛ لأن الإنسان فيها متوكل على الله- تعالى- في عطائه، مستسلم لقضائه.

وقال آخرون: التجارة أطيبها، وهو أشبه بمذهب الشافعي- رحمه الله- لقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥]، واقتداء بالصحابة- رضوان الله عليهم- في اكتسابهم [بها].

وقال آخرون: الصناعة، لاكتساب الإنسان فيها بكد يده، وروي أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "من الذنوب ما لا يكفره صوم ولا صلاة، ولكن يكفره عرق الجبين في طلب الحرفة".

قال النواوي: وفي صحيح البخاري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده".

<<  <  ج: ص:  >  >>